ـ 5.2% نمو متوقع لإجمالي الناتج المحلي والاهتمام بقطاع الخدمات مطلوب

إعداد ـ هيثم العايدي:

حياة بدائية وأمراض وصراعات وحروب أهلية وانقلابات عسكرية تلك هي الصورة النمطية التي تتبادر الى الاذهان عند ذكر قارة أفريقيا ما حدا بمجلة "ذي إيكونوميست" أوائل الألفية الى عنونة أحد أغلفة أعدادها بعبارة "قارة بلا أمل" حتى عادت المجلة نفسها في عام 2011 لتضع عنوانا مغايرا تماما على غلافها: "أفريقيا الواعدة".. وتتجه أنظار الاقتصاديين الى القارة السمراء حتى يمضي الكثيرون منهم بعيدا في التوقعات ويعتبرون أن مستقبل العالم يكمن في أفريقيا.
ووفقاً لأحدث تقرير سنوي "التوقعات الاقتصادية أفريقيا"، الذي أصدره العام الماضي البنك الأفريقي للتنمية، فإن "الموارد الزراعية والطاقية والتعدينية في أفريقيا، التي لم يستغل معظمها بعد، هي مفتاح تسريع النمو الاقتصادي" للقارة.
وتشير الأرقام الواردة في هذا التقرير ـ والمنشور على موقع بوابة أفريقيا الاخبارية ـ إلى أن "سلة غذاء العالم" كما يطلق على القارة الأفريقية، تضم 60% من الأراضي الصالحة للزراعة "غير المستغلة" بعد في العالم. ويكفي استغلال 80 مليون هكتار من هذه الأراضي في جمهورية الكونجو الديمقراطية لوحدها "لإطعام ملياري شخص حول العالم"، أي ما يعادل سكان قارات أفريقيا وأوروبا وأوقيانوسيا مجتمعين.
من جانبه يرى البنك الدولي انه طوال السنوات التسع عشرة الماضية تحقق أفريقيا جنوب الصحراء قفزات مبهرة في النمو الاقتصادي المستدام. وبعد خمس سنوات من الضعف في الاقتصاد العالمي، واصلت معظم بلدان القارة تسجيل نمو قوي نسبيا.
ويضيف البنك انه رغم التحديات الناشئة، استمر التوسع في الأنشطة الاقتصادية في أنحاء القارة: من المتوقع أن يصل نمو إجمالي الناتج المحلي إلى 5.2% عام 2014 مقابل 4.7% عام 2013، وسيرتفع إلى 5.5% عام 2015، وفقا لما تظهره مطبوعة نبض أفريقيا التي يصدرها البنك الدولي مرتين كل عام لتحليل الاتجاهات الاقتصادية وأحدث البيانات عن القارة.
وتفيد المطبوعة أن النمو في القارة واسع القاعدة ومما يعزز النشاط الاقتصادي القوي ارتفاع الطلب على الاستثمارات العامة والخاصة وزيادة الإنفاق العائلي. ويعد ارتفاع أسعار السلع الأولية، وزيادة رؤوس الأموال الأجنبية يدفعها في ذلك سياسات نقدية موائمة في البلدان المرتفعة الدخل، أمرا أساسيا لديناميكيات النمو في القارة، كما تشير المطبوعة.
وفي هذا الصدد يقول فرانشيسكو فيريرا، كبير الخبراء الاقتصاديين لمنطقة أفريقيا بالبنك الدولي "رغم أن صادرات أفريقيا جنوب الصحراء مازالت تتركز في القليل من السلع الأولية الاستراتيجية، فقد حققت بلدان المنطقة تقدما ملموسا في تنويع شركائها التجاريين". ويضيف قائلا "خلال العقد الماضي، زادت الصادرات إلى الأسواق الناشئة ـ مثل تجمع الأسواق الناشئة الكبرى (البريكس) والتي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ـ زيادة كبيرة، وخاصة بسبب الانتعاش الطويل الأجل في الطلب على السلع الأولية. فقد تلقت بلدان هذا التجمع على حوالي 9% من صادرات أفريقيا جنوب الصحراء عام 2000 لكن بعد عشر سنوات أصبحت تتلقى 34% من مجموع صادرات القارة".
وفي أنحاء القارة، تحقق نمو سريع في الاستثمار الأجنبي المباشر. وهناك اتجاهان اثنان في الاستثمارات يدفعان إلى هذا التوسع: الطفرة الواسعة في السلع الأولية نتيجة للتنمية الواسعة النطاق إلى مستوى غير مسبوق في آسيا، والتوسع الهائل في نقل الأنشطة التجارية الدولية إلى مناطق خارجية. ولا توفر الموجة الجديدة من الاستثمار الأجنبي المباشر استثمارات وفرص عمل فحسب بل تفتح فرصا جديدة أيضا عبر التكامل التجاري العالمي العميق.
وتوضح مطبوعة نبض أفريقيا أن قطاعي الموارد والخدمات هما الأفضل أداء في أفريقيا جنوب الصحراء: فقد ارتفعت نسبة قطاع الموارد من 9% بين عامي 1995 و1999 إلى 12.5% بين عامي 2007 و2011، في حين أن قطاع الخدمات سجل نموا من 40% إلى 47%.
وشهدت صادرات القارة نموا قويا، عززتها في ذلك الموارد الطبيعية. ففي الفترة بين عامين 1995 و2012، زاد إجمالي قيمة صادرات المنطقة من 68 مليار دولار إلى أكثر من 400 مليار دولار. وجاءت معظم هذه الزيادة من صادرات الموارد الطبيعية. فعلى سبيل المثال، قفزت قيمة صادرات النفط والمعادن والفلزات من 38 مليار دولار إلى 300 مليار دولار خلال الفترة ذاتها.
وفي حين أن أسعار السلع الأولية ساعدت المنطقة في السنوات الأخيرة، فإن الاعتماد الشديد على صادرات الموارد يجعل المنطقة شديدة التعرض للصدمات في أسعار السلع الأولية.
وبالإضافة الى ذلك كان تنويع الصادرات محدودا، ما يعكس تحولات قطاعية في بلدان المنطقة، لكن تقدما ملحوظا تحقق في تنويع الشركاء التجاريين. وللنمو القوي في بلدان المنطقة سمات ترتبط بهيكل الإنتاج، أو التقدم في الإصلاحات الهيكلية، أو تأثير البلد المعني على الاقتصاد العالمي، أو وجود أطر سليمة للاقتصاد الكلي.
ويتمثل التحدي القائم أمام كثير من بلدان أفريقيا، وخاصة المصدرة للنفط منها، في تنويع صادراتها. فالبلدان المصدرة للنفط تعتمد اعتمادا شديدا على سلعة أولية واحدة بوصفها مصدر إيراداتها. إذ كان النفط يمثل أكثر من 92% في المتوسط من عائدات صادرات أنجولا وتشاد وغينيا الاستوائية والجابون ونيجيريا، على سبيل المثال، بين عامي 2010 و2013.
ورغم أن عائدات تصدير المعادن والفلزات قد لا تمثل نسبة عالية كالنفط من إجمالي الصادرات، فهي مرتفعة بالنسبة لبعض البلدان الغنية بالموارد غير النفطية، مثل بوتسوانا وغينيا وموريتانيا وسيراليون التي تحصل على أكثر من 50% من عائداتها من الموارد الطبيعية.
وحققت بعض البلدان نجاحا في تنويع الصادرات. ومن الأمثلة على ذلك تنزانيا. فهذا البلد شهد زيادة ضخمة في الإنتاج والصادرات وفي تنويعهما. وانخفض بشكل ملموس إنتاج وتصدير المحاصيل الزراعية النقدية التقليدية (مثل جوز الكاشو، والبن، والقطن، والشاي، والسيزال، والتبغ). وتغير التوزيع الجغرافي لصادرات تنزانيا أيضا تغيرا ملموسا خلال العقد الأخير. فقط تراجعت الصادرات للاتحاد الأوروبي، في حين زاد حجم التجارة الإقليمية وخاصة مع بلدان جماعة شرق أفريقيا وجنوب أفريقيا.
وهناك مجالات واسعة تحتاج حكومات المنطقة إلى الاستثمار فيها لضمان أن النمو يبقى مستمرا ويشمل جميع المواطنين. ويشير تقرير البنك الدولي الى أن المجالات الرئيسية لصيانة النمو وجعله شاملا بالمنطقة تشمل الحكم الرشيد والمؤسسات؛ والاستثمار في البشر في أفريقيا وخاصة في الشباب؛ وتعزيز البنية التحتية في أنحاء المنطقة؛ وخفض الحواجز أمام التجارة والاستثمار؛ وضمان وجود ما يكفي من خدمات وبنية تحتية لسرعة التوسع العمراني في المدن والمدن الثانوية بأفريقيا.
وتمثل عولمة الخدمات مصدرا مهما محتملا للنمو في المنطقة. وتشمل الاتجاهات العديدة المواتية التي تساند هذا الرأي: تجارة الخدمات هي القطاع الأسرع نموا في التجارة العالمية؛ نسبة الخدمات الحديثة في ازدياد؛ نسبة صادرات البلدان النامية من صادرات الخدمات العالمية في ازدياد. فالتكنولوجيا والاستعانة بمصادر خارجية يسمحان للخدمات التقليدية بأن تتغلب على قيودها القديمة مثل القرب المادي والجغرافي. ويمكن الاتجار في الخدمات الحديثة، مثل إعداد برامج الحاسوب ومراكز الاتصال وأنشطة الأعمال الموكول بها إلى مصادر خارجية، وذلك بوصفها منتجات مصنعة ذات قيمة مضافة، ما يسمح للبلدان النامية التي تركز على هذه الخدمات والابتكار والتكنولوجيا أن تقفز من الزراعة إلى التصنيع.
وتعد الصين أكبر الشركاء التجاريين لأفريقيا كما أنها تعكف على استزراع حوالي 1.5 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في الكاميرون وموزمبيق وأوغندا وتنزانيا. الحال نفسه بالنسبة للهند واليابان اللذين يستثمران على التوالي مليون و600 الف هكتار و900 ألف هكتار في أفريقيا.
من جانبها، تستغل المملكة العربية السعودية إجمالا حوالي 2 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في السودان ومالي وموريتانيا والسنغال ما بين شراء واستئجار وعلاوة على حصولها على لقب "سلة غذاء العالم" تعرف القارة الأفريقية تاريخيا باسم "خزان العالم" من الثروات التعدينية في باطن الأرض، حيث تملك حوالي ثلث احتياطي الثروات المنجمية في العالم. وتستحوذ القارة الأفريقية على 89% من البلاتينن في العالم، و81% من مادة "الكروم" و61% من "المنغنيز" و60% من "الكوبالت".
وتتوفر أفريقيا على ما يقارب خمس احتياطي العالم من الماس والذهب واليورانيوم.أما بخصوص اليورانيوم، فقد أعاد ارتفاع أسعار النفط وزيادة نسبة التلوث في العالم وما يرافقها من ضغوط متزايدة للناشطين في المجال البيئي إحياء النقاش حول تقليل الاعتماد على المواد الهيدروكربونية (النفط) لتوليد الطاقة، واستبدالها على وجه أخص باليورانيوم الذي يدخل في توليد الطاقة النووية.
وتحتل 3 دول أفريقية: النيجر وأفريقيا الوسطى وناميبيا، صدارة قائمة الدول المنتجة لهذه المادة في العالم. وفي مجال الغاز والبترول، تضم القارة أكثر من 30 بلداً مصنفاً ضمن الدول المنتجة للمواد الهيدروكربونية وعلى رأسها نيجيريا والجزائر وليبيا.
ورغم أن الواقع الحالي يشير إلى أنه تم تسجيل ركود في بعض أنشطة استخراج المعادن في عدة دول أفريقية بسبب الافتقار إلى المستثمرين على خلفية الركود الاقتصادي العالمي، إلا أن الخبراء المتفائلين بمستقبل أفريقيا يرون أن ارتفاع أسعار المعادن الثمينة في السوق العالمية سيدفع حتما في الأعوام المقبلة بالمستثمرين نحو الباطن الأفريقي الذي لم يكشف عن كل أسراره بعد.
وأمام هذه الثروات الطبيعية والمخزونات الهائلة من المواد الأولية ينبغي على القارة السمراء تهيئة المناخ للاستثمار وايلاء الاهتمام لقطاع الخدمات الذي يعتبر الى حد ما متأخرا عن باقي المناطق النامية الأخرى رغم أنه ينمو بمعدل 12% سنويا في المتوسط. هذا بالإضافة الى الدخول في شراكات من أجل ايجاد مشاريع للقيمة المضافة تزيد من الدخل كما أنها تساهم في حل مشكلة البطالة حتى لايكون الاقتصاد الأفريقي قائما على تصدير السلع الأولية فقط.