لما كان قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد استوجبته ضرورة تاريخية في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، فإن استمرارية هذا المجلس خلال هذا القرن تستوجبها ايضا ضرورة تاريخية تؤكدها نتائج مسيرته كما تؤكدها أيضا التحديات المحيطة بهذه المسيرة في الآونة الراهنة.
هناك إذن حاجة ماسة إلى وقفة مع الذات تراجع فيها دول المجلس جميع الفرص المتاحة أمامها والقيود المفروضة عليها، والتحديات التي تواجهها لصياغة مسارات جديدة نحو المستقبل تتفق وطموحاتها وتطلعات شعوبها إلى غد أفضل لأجيالها. إنه الأمر الذي بات يستوجب تحديد الدروس المستفادة من الإنجازات والاخفاقات المرتبطة بالمسيرة التنموية لكل دولة من دول المجلس أو تلك المرتبطة بمسيرة العمل المشتركة لهذه الدول كمنظومة واحدة، بغية تحديد مسارات أفضل لحركتها تجاه غاياتها المنشودة في العقود الأولى من القرن الحادي والعشرين.
ويمكن القول في إطار المراجعة والتقويم إن محصلة المسيرة التنموية لدول الخليج العربية في مسعاها التكاملي تتضمن قدرا كبيرا من الإنجازات في كافة مجالات العمل التنموي تحيطه مجموعة من التحديات الجسام التي تتعامل معها السياسات الوطنية والسياسات التكاملية في آن واحد. ومع ذلك فإن التطورات العالمية والإقليمية والمحلية قد أفرزت في السنوات الأخيرة متغيرات ومستجدات لها آثارها الخطيرة ليس فقط على مسيرة العمل الانمائي في كل دولة من الدول الساعية إلى التقدم الاقتصادي والاجتماعي ومنها دول مجلس التعاون، ولكن أيضاً على مستقبل شعوب هذه الدول واستمرارية وجودها وفاعليته في المسيرة الحضارية العالمية خلال القرن الحادي والعشرين. ولا ريب أن التعامل مع هذه المستجدات سوف يشكل أحد التحديات البارزة في أي جهد تنموي خلال المراحل المقبلة.
ان الغاية المحورية لاستراتيجية التنمية الخليجية الطويلة الاجل يجب أن تتمثل في تحقيق مسيرة تنموية مستدامة ومتكاملة لدول المجلس في كافة المجالات، وتعميق التنسيق بين الأنشطة التي تتضمنها خطط التنمية الوطنية، وأن تتسم الاستراتيجية بالمرونة اللازمة لخدمة أهداف التنمية في كل دولة على حدة، وعلى مستوى دول المجلس كمنظومة واحدة وصولاً إلى الارتقاء المتواصل بنوعية الحياه فيها وتحقيق قدرة ذاتية للتكيف مع مستجدات وتحديات القرن الحادي والعشرين.
ويتفرع عن هذه الغاية المحورية مجموعة من الأهداف الاستراتيجية التي يقترن الوصول إليها بتبني مسارات انمائية طويلة الأجل تتضمن الآليات والإجراءات الضرورية لتحقيقها. ولعل اول هذه القضايا هي البرامج التنفيذية للتنمية المستدامة، حيث يؤكد هذا المفهوم على أن التنمية هي عملية متواصلة عبر الأجيال وأنها نتاج لتفاعل البشر مع الموارد المتاحة والممكنة والظروف والمعطيات السائدة بما يؤدي إلى الارتقاء المستمر بالمجتمع وكفاءته في استخدام الموارد البشرية والمادية والتقنية. ويتطلب ذلك تبني مسارات محورية ومختصة في مجال الاستخدام الأمثل للموارد المناحة والاعتماد بصورة مستمرة على الأسس الملائمة لتخصيص الموارد المادية والانسانية و الاستفادة القصوى من الإمكانات التقنية وتكييف استخدامها لاحتياجات النمو المتواصل والارتقاء بالقدرات الإنسانية.

حسن العالي