حمود الصوافي: للجار على جاره حقوق وواجبات، ينبغي إعطاؤها وبذلها له

ـ لا يصح للمسلم أن يؤذي جاره بقول أو فعل ولا يضايقه في بناء أو طريق

ـ الإسلام أمر بحقوق الجار سواء كان قريبا أو بعيدا، مسلما أو مشركا

ـ أحاديث كثيرة وردت في الحض على إكرام الجار والترغيب في ذلك
اعداد ـ علي بن صالح السليمي:
ضمن الخطب القيّمة التي القاها فضيلة الشيخ الجليل/ حمود بن حميد بن حمد الصوافي .. اخترنا لك عزيزي القارئ احدى هذه الخطب والتي هي بعنوان:"الفتن" .. حيث ان الخطبة تعتبر من اهم الوسائل الدعوية التي استخدمها فضيلته في هذه الحياة ..

يستهل فضيلة الشيخ حمود الصوافي في هذه الخطبة قائلا: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أمر بالعدل والإحسان، ونهى عن القطيعة والعدوان، سبحانه أمر بالإحسان إلى الجار، ووعد المحسنين بالثواب في دار القرار، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كلّ شئ قدير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، أرسله رحمة للعالمين، وسراجا للمهتدين، وإماما للمتقين، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد في سبيل ربه حتى أتاه اليقين، صلى الله وسلم وعلى آله وصحبه، وعلى كل من اهتدى بهديه، وسار على نهجه، واستن بسنته، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، أما بعد:
فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، والعمل بما فيه رضاه، فاتقوا الله وراقبوه، وامتثلوا أوامره ولا تعصوه، واذكروه ولا تنسوه، واشكروه ولا تكفروه.
واعلموا أن من الحقوق التي أوجبها الله سبحانه وتعالى حقوق الجيران لبعضهم بعضا؛ فإن للجار على جاره حقوقا وواجبات، ينبغي لكل من المتجاورِين إعطاؤها لجاره وبذلها له، يقول عز من قائل:(وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا ((النساء/36)، وجاء عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)، وقد تهدد النبي (صلى الله عليه وسلم) أولئك الذين لا يرعون حق الجار، ولا يهتمون به، ولا يتألمون لألمه؛ حيث قال: (لا يؤمن من بات شبعانا وجاره جائعا)، وحد الجوار هو ما ثبت في العرف أنه جار؛ سواء كان في قرية أو بادية؛ وسواء كان في حضر أو سفر، وقد جاء الحض على اختيار الجار الصالح والترغيب في ذلك: الجار قبل الدار، والرفيق قبل الطريق، وقد ورد: أن من سعادة المرء الجارَ الصالحَ، وأن الله سبحانه وتعالى يدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء، وأن خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره، وأن صلة الرحم وحسن الجوار يعمران الديار، ويثريان المال، ويحسنان الحال، ويزيدان في الأعمار، فمن ترك ذلك انقطعت به الأسباب، وصار أمره إلى تباب، وإذا سمعت جيرانك يقولون: أحسنت؛ فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: أسأت؛ فقد أسأت.
وخاطب فضيلته الحضور قائلا: أيها المسلمون: يجب على المسلم أن يعرف الحقوق الواجبة عليه لجاره، وأن يلتزم بها، فمن حق الجار على جاره كف الأذى عنه، فلا يصح للمسلم أن يؤذي جاره بقول أو فعل، لا يضايقه في بناء أو طريق، ولا يؤذيه بميزاب يصب عليه، أو وسخ يلقيه أمام منزله، أو حجر أو تراب يلقيه في طريقه، إلى غير ذلك من أنواع الأذى }وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا{ (الأحزاب/58)، وجاء عن النبي (صلى الله عليه وسلم) :(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره)، وقد ورد: إذا أنت رميت كلب جارك فقد آذيته، وما أشد ما توعد به النبي (صلى الله عليه وسلم) أولئك الذين يؤذون جيرانهم! حيث قال: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن)، قيل: من؟ يا رسول الله، قال:(الذي لا يأمن جاره بوائقه) أي غشمه وشره وظلمه، ومن حق الجار على جاره الإحسان إليه؛ فإن الإحسان إلى الجار برهان واضح على الإيمان، ودليل عملي على صدقه، يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره)، وقد ورد: اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضحك؛ فإن كثرة الضحك تميت القلب، ومن حق الجار على جاره إكرامه بإسداء المعروف وإيصال الخير إليه، وقد ورد الحض على إكرام الجار والترغيب في ذلك في أحاديث كثيرة، يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)، وجاء عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال لأبي ذر:(إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعاهد جيرانك»، وروي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: قلت يا رسول الله، إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: (إلى أقربهما منكِ بابا)، وجاء عن النبي (صلى الله عليه وسلم): (يا نساء المسلمين، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة)، وفي رواية الربيع بن حبيب ـ رضي الله عنه ـ : (يا نساء المؤمنات لا تحقرن إحداكن لجارتها ولو كراع شاة محرق)، ففي هذا الحديث الشريف حث على إكرام الجار ولو بالشيء اليسير لما في ذلك من دفع الوحشة، وجلب الألفة، ودوام الصحبة، واستنزال البركة بامتثال أمر الشارع، ومن حق الجار على جاره احترامه وتقديره، فلا يمنعه أن يضع خشبة في جداره، ولا يبيع أو يؤجر ما يتصل به أو يقرب منه حتى يعرضَه عليه ويستشيره، يقول رسول الله r: «لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبة في جداره؛ فإن ذلك حق واجب عليه»، وقد ورد: من كان له جار في حائط أو شريك فلا يبعه حتى يعرضه عليه، ومن حق الجار على جاره أن يتحمل أذاه، ويصبر عليه؛ فإن صبره سيكون سبب خلاصه منه (وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ((الأنفال/46)، الصبر مفتاح الفرج، من صبر على أذى جاره أورثه الله داره، فاتقوا الله يا عباد الله، وأدوا حقوق جيرانكم (وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ((البقرة/195) }إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ((يوسف/90) (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ((النحل/128) (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت/69).
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم؛ إنه هو البرّ الكريم.
وقال فضيلة الشيخ حمود الصوافي مذكراً الحضور بالحمد لله ربّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليّ الصالحين، وأشهد أن سيدنا و نبينا محمدا عبده ورسوله، خاتم النبيين والمرسلين، وسيّد الأولين والآخرين، وقائد الغرّ المحجلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا عباد الله إن أصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة.
وقال فضيلته ناصحاً ومنبهاً الحضور بقوله: أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الإسلام أمر بحقوق الجار؛ سواء كان الجار قريبا أو بعيدا؛ وسواء كان مسلما أو مشركا، فجار له حق، وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق، أما الجار الذي له ثلاثة حقوق فهو الجار المسلم ذو الرحم، له حق الجوار، وحق الإسلام، وحق القرابة، وأما الجار الذي له حقان؛ فهو الجار المسلم، له حق الجوار، وحق الإسلام، وأما الجار الذي له حق واحد؛ فهو الجار المشرك، له حق الجوار، فمن حق الجار على جاره أن ينصره إذا استنصره، ويعينه إذا استعانه، ويقرضه إذا استقرضه، ويعينه ويساعده إذا احتاج، ويعوده إذا مرض، ويعزيه إذا أصيب، ويهنأه إذا فرح، ولا يستطيل عليه بالبناء، فيحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا يؤذيه بقتار قدره إلا أن يغرف له منها، وإذا اشترى فاكهة فليهدِ له منها إذا علم بها، وإن لم يعلم بها فلا شيء عليه، يبدؤه بالسلام، ويلين له الكلام، ويتلطف في مكالمة ولده، يصفح عن زلاته، ولا يتطلع إلى عوراته، يرعى جانبه، ويحمي حماه، ويرشده إلى ما فيه صلاح دينه وديناه، فاتقوا الله يا عباد الله (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ((المائدة/2) ،(وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (الأنفال/1) وتآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ((المزمل/20) ، (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) (البقرة/281)،(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور/31).