من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم

القارئ الحبيب تحدثنا في اللقاء الماضي عن راوي الحديث وعلمنا أنه هو الصحابي الجليل عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسم قبل العاشرة من عُمُره وتوفى الله رسوله وهو لم يستكمل الثالثة عشرة من عُمُره ونكمل للقاء ( يا غلام إني أعلمك كلمات) فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص كل الحرص على تعليم الغلمان الصغار الآداب الحميدة والأخلاق الكريمة
فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك فما زالت تلك طعمتي بعد ) رواه البخاري هاهو النبي صلى الله عليه وسلم يلقن ابن عباس وهو غلام صغير مبادئ الإسلام وقواعد الدين بعد أن أردفه خلفه على دابته فقال له ( يا غلام ألا أعلمك كلمات لعل الله أن ينفعك بهن ؟ ) فبالله عليكم من منكم يعلم ابنه الصغير أمر دينه من منكم يلقن ابنه الصغير الأخلاق الحميد والأخلاق الكريمة واعلموا أيها الآباء أن أولادكم أمانة في أعناقكم وأنكم مسئولون عنهم يوم القيامة
علموا أولادكم العقيدة اغرسوا في نفوسهم التوحيد علموهم الشهادتين فالله الذي لا إله غيره لن يسألك الله عز وجل يوم القيامة عن الشهادة التي أخذها ولدك وإنما سيسألك عندما تقف بين يديه هل علمت ولدك شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وقوله ( احفظ الله ) فكيف يحفظ العبدُ ربَّه؟ أي يحفظ أوامر الله ونواهيه ويحفظ حدود الله وحقوقه ومعنى ذلك أيضاً أن يقف العبدُ عند أوامر الله بالامتثال وعند نواهيه بالاجتناب وعند حدوده فلا يتجاوزها ولا يتعدَّها فعن أبى ثعلبة رضى الله عنه قال: ( إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رخصة لكم ليس بنسيان فلا تبحثوا عنها ) السنن الكبرى للبيهقي فالذي يفعل الفرائض والمأمورات ويجتنب المنهيات ولا يتعدا الحدود فقد حفظ رب الأرض والسماوات من أعظم ما يجب حفظه الصلوات الخمس فقد أمر الله بذلك في كتابه الكريم فقال: ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ) البقرة 238 ومدح الله عز وجل الذين يحافظون على الصلوات الخمس وبشرهم بأنهم سيكونون في أعلى درجات الجنة في الفردوس الأعلى فقد قال الله سبحانه وتعالى ( والذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) المؤمنون 9 ـ10 ـ11 وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوما فقال: ( من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف ) مسند الإمام أحمد وقال بعض العلماء: يحشر تارك الصلاة مع هؤلاء الأربعة لأن تارك الصلاة لا ينشغل عن الصلاة إلا بماله أو ملكه أو بوزارته أو بتجارته فمن شغله ملكه وحكمه عن الصلاة حُشر مع فرعون ومن شغله ماله حُشر مع قارون ومن شغلته وزارته عن الصلاة حُشر مع هامان ومن شغلته تجارته عن الصلاة حُشر مع أُبي بن خلف
ومما يجب حفظه أيضاً: الأيمان فإن الأيمان كثيراً ما تقع من الناس والله عز وجل يأمرنا بحفظ الأيمان فيقول: ( وحفظوا أيمانكم ) المائدة 88 وكان السلف الصالح يحفظون الأيمان فمنهم من كان لا يحلف بالله البتة أما في هذه الأيام فتجد الرجلَ يقسم بالله كذبا يُجري يمين الله على لسانه دون خوف من الله واليمين الكاذبة تُخربُ البيوت من المال والأهل والأولاد ... وقد ورد التشديد العظيم في الحلف الكاذب بالله ولا تعد كثرة الحَلف بالله إلا من الجهل بالله تعالى وقلة هيبته في الصدور وأخرج البيهقى في شعب الإيمان من طريق قتيبة عن بكر بن مضر عن صخر بن عبد الله عن زياد بن أبي حية قال: بلغنى أن من حملة العرش لمن يسيل من عينيه أمثال الأنهار من البكاء فإذا رفع رأسه قال: سبحانك ما نخشى حق خشيتك قال الله عز وجل: ( لكن الذين يحلفون باسمى كاذبين لا يعلمون ) ومما يلزم حفظه: أن يحفظ رأسه وبطنه فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (استحيوا من الله حق الحياء قال: قلنا يا رسول الله إنا نستحيي والحمد لله قال: ( ليس ذاك ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى ) الحديث رواه الترمذي في سننه وحفظ الرأس وما وعى يشمل: السمع حفظ السمع عن الحرام وعدم الإصغاء إلى ما يغضب الله من الكلام يقول الله تعالى: ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) الإسراء 36 وكذا البصر: حفظ العينيين من النظر إلى الحرام لأن النظرة بريد الزنا وسهم من سهام إبليس وأيضاً حفظ العينين من النظر إلي عورات الناس فقد جاء في الحديث عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته ) مسند الإمام أحمد
وإن شاء الله نكمل الحديث فاللقاء القادم إن قدر الله لنا ولكم البقاء
اللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن الكريم الذي رفعت مكانه وأيدت سلطانه ووضحت برهانه آآآمين والله الموفق لما فيه الخير والرشاد
إمام وخطيب جامع خالد بن الوليد ـ حلة السدر ـ السيب

إبراهيم عبد العزيز محمد فرج