[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
يصدم المرء حين تتحدث دول استعمارية عن الأخلاق وعن حق الشعوب في تقرير مصيرها، وغيره من العبارات الطنانة .. فرنسا نموذجا، حين يردد وزير خارجيتها الحالي لودريان عن القيام بقصف سوريا إذا ثبت أن جيشها استعمل الكلور في حربه على الإرهاب .. وهي التي ساهمت منذ الحرب على الدولة السورية بقسط وافر في دعم الإرهاب، ويعترف الفرنسيون بوجود أعداد كبيرة من أصل فرنسي في صفوف الإرهابيين لايريدون عودتهم إليها.
كيف يمكن إقناع هذه الدولة بأن تخفف من غلوائها المفتعل وهي التي ناصرت في تاريخها كل أشكال الاستعمار ومارسته، وعلى سوريا تحديدا، بل إنها قدمت جزءا غاليا على قلب سوريا من أراضيها إلى تركيا وهو لواء الاسكندرون، وما زال غصة لاتغتفر لايمكن نسيانه مهما طال وقته.
بل من مساوئ سياستها في المنطقة وفي سوريا تحديدا، إنها جاءت بجيشها الجرار لاستعباد السوريين وقامت بتغيير علمهم الوطني، بل الاستيلاء على مقراتهم، وقبلها خاضت معركة سهلة مع طلائع الجيش العربي السوري في منطقة ميسلون أدت إلى استشهاد الزعيم الوطني يوسف العظمة .. أمام هذا الاغتصاب فقد توجه زعيم الحملة الفرنسية الجنرال غورو الذي ذهب فورا إلى ضريح صلاح الدين الإيوبي في دمشق ووضع حذاءه عليه صارخا" هاقد عدنا ياصلاح الدين"، وهو بذلك يعترف بذنب تاريخي أيضا حين طرد صلاح الدين الأيوبي حملاتهم الصليبية من المنطقة ومن القدس تحديدا.
ليس مايسر في التاريخ الفرنسي حتى في شكله المعاصر، وهي التي لعبت الدور الأكبر في تمزيق ليبيا وقاد رئيسها السابق ساركوزي شخصيا عملية القضاء على نظام القذافي كي يغلق ملفا يدينه وهو تمويل الرئيس الليبي لانتخابه رئيسا بملايين الدولارات .. بل إن ساركوزي أرسل " فيلسوفه " الصهيوني هنري برنار ليفي لتنفيذ مخططه بتفتيت ليبيا، وتقول معلومات مؤكدة، أن المخابرات الفرنسية هي من قامت بتجهيز آلاف الإعلام التي رفعها المتظاهرون بديلا عن علمهم الذي فرضه القذافي وهو العلم الأخضر.
وفرنسا أيضا من استعمر الجزائر وفرض عليها الفرنسة في محاولة لتذويب أي انتماء عربي لها، بل وقامت أيضا باللعب على الوتر الديني من أجل تغيير إسلامه فيها. ومن خلال معرفتنا للأعداد الهائلة من الشهداء الجزائريين التي تجاوزت المليون ونصف المليون، لقدرنا حجم الضغوطات الهائلة التي مارستها لمنع الجزائر من الحصول على الاستقلال.
وهي أيضا في فيتنام من أجل استعمارها، لكن الفيتناميين خاضوا معارك باهرة ضد جيشها الذي كسروه في أكبر معركة دعيت ديان بيان فو ذهب ضحيتها أكثر من خمسة وأربعين ألف قتيل فرنسي.
تربينا على الثقافة الفرنسية، قرأنا ماطاب منها، وكان إعجابنا لايحد بثورتها على الباستيل والشعارات التي رفعت يومها .. بل كدنا أن نكون إلى جانب نابليون لولا تأكيده لليهود بكيان في فلسطين وحصاره عكا واستعماره لمصر.
بل إننا من المعجبين بالإنتاج الفكري والثقافي الفرنسي، وما شكله من حضور مميز في بانورما الإنتاج العالمي حتى بات في طليعته .. فهل يمكن نسيان سارتر وكامي وفيكتور هيجو واميل زولا واندريه جيد واندريه بروتون وغيرهم وشعراء كثر وتأثيرهم اللاحق على ثقافة البشرية.
ليتها فرنسا تنتبه من جديد إلى تعزيز حضورها بشكل مختلف عن تلك التوجهات ضد سوريا، وأن تقوم بدور بناء في مساعدة السوريين على درء المخاطر عنهم كي يكون ذلك بمثابة عمل وقائي للدفاع عن بلادهم أيضا في وجه أعتى إرهاب تواجهه البشرية منذ زمن.