إذا كان التراث بشقيه المادي وغير المادي يمثل الضمير الإنساني لأي شعب، وهو المعبِّر عن نشاطه ودوره في خضم الحياة بمختلف مراحلها، والتي دفعته إلى التفاعل داخل محيطه وخارجه، وليبتكر شتى الأدوات والأساليب التي تعينه على مواصلة رحلة الحياة، فإن المحافظة على هذا التراث تصبح أمانة في أعناق الأجيال، لكونه يمثل الحضارة والهوية والشخصية والدور الحضاري، ويعد شاهدًا تاريخيًّا وحضاريًّا عليها، بل إن واجب الأمانة يفرض الانتقال إلى وسائل أكثر إبداعية لحفظ التراث وإبرازه وتقديمه للعالم تتناسب وروح العصر وما يفرزه من تقنيات واختراعات؛ باعتباره ثراء ثقافيًّا ومعرفيًّا وكذلك اقتصاديًّا وسياحيًّا، والعمل على إضافة إبداعات وابتكارات جديدة إليه.
وحين نتابع الجهود التي تبذلها بلادنا حيال كنوزها ومكنوناتها التراثية والثقافية، تأخذنا أول وهلة إلى وعي وحصافة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بأهمية المحافظة على تراث الآباء والأجداد وصونه من العبث، من منطلق "من لا ماضي له لا حاضر له"، ومن منطلق أن التفريط في التراث والثقافة هو تفريط بيِّنٌ في الهوية والشخصية والحضارة، وتنازل مشين ومخزٍ عنها وعن القيم والمبادئ.
لذلك بكل وفخر واعتزاز أخذت الخطوات والجهود من قبل الحكومة بفضل الرؤية الوطنية المستنيرة لجلالة عاهل البلاد المفدى ووعيه الأبوي الكبير إزاء الموروث التراثي والثقافي لبلادنا تسير وفق هذه الرؤية، وبها أخذ هذا الموروث يشع بنوره على العالم مجددًا، سواء من خلال ما تقوم به وزارة التراث والثقافة أو الهيئة العامة للصناعات الحرفية.
واليوم نقف عند شاهد من شواهد العمل على حفظ التراث وصيانته، وذلك من خلال الحلقة التعريفية التي نظمتها وزارة التراث والثقافة بمركز نزوى الثقافي أمس حول خطوات إعداد ملف تسجيل الخنجر العُماني في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، حيث تناولت تعريف المشاركين بالتراث الثقافي غير المادي وفق "اليونسكو"، بالإضافة إلى مجالات التراث الثقافي غير المادي وقوائم التسجيل المتعلقة بهذا الإرث، ومعايير التسجيل في القائمة التمثيلية للتراث غير المادي للإنسانية، وآلية تسجيل الخنجر العُماني في القائمة من خلال استمارة التسجيل المعدة لذلك، وما تتطلبه من بيانات ومعلومات حول الخنجر وأهمية إشراك المجتمع في إعداد الملف، وإدراج العنصر في قوائم الحصر الوطنية.
إن مثل هذه الحلقات التعريفية تكتسب أهميتها من أنها تضع الكثير من أبناء هذا الجيل في صورة قيمة التراث "المادي وغير المادي" وما يمثله من هوية وطنية، وأن التهاون فيها أو التنازل عنها إنما يعني تنازلا عن الوطن بأكمله وتفريطا واضحا في الأمانة الملقاة على أعناق هذا الجيل والأجيال القادمة، في الوقت الذي يشهد العالم فيه صراعات وحروبًا ومؤامرات من بين أهدافها تدمير الهوية والشخصية والموروث التراثي والثقافي والأخلاقي، ولعل ما تشهده المنطقة اليوم كفيل بتبيان هذه الحقيقة، لذا يجب على جميع أبناء هذا الوطن العزيز أن يعضوا بالنواجذ على ما يجمعهم من تراث وثقافة وهوية وتاريخ وحضارة وأخلاق وقيم ومبادئ.