على الرغم من تعدد وجوه النهضة الحديثة في بلادنا، السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن النهضة الاقتصادية تظل هي القاطرة التي تحمل قطاعات النهضة المباركة في مساراتها المختلفة نحو المستقبل الأفضل، وفي سبيل ذلك حافظت التوجيهات السامية من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ على وتيرتها وديمومتها في كل مناسبة بأن يعطى القطاع الاقتصادي حقه الوافر من الاهتمام؛ لكونه عصب التنمية الشاملة والمستدامة التي تنشدها النهضة المباركة نحو بناء الدولة العصرية المتكاملة والقوية الأركان، وأن تولي الحكومة اهتمامها الكبير للاستثمار وتشجيع المستثمرين وجذب رؤوس الأموال، واستغلال الموارد الطبيعية ومقومات البنية الأساسية للبلاد في ذلك على النحو الأمثل.
ولما كان القطاع اللوجستي أحد القطاعات الاقتصادية الواعدة حاضرًا ومستقبلًا، ويمثل ركيزة مهمة لا غنى عنها في هذا الجانب، فإن الحراك الذي تشهده السلطنة ممثلة في الجهات المعنية وفي مقدمتها وزارة النقل والاتصالات ينطلق من الأهمية التي يشكلها القطاع اللوجستي، وما يمكن أن يلعبه من دور حيوي يجعل السلطنة قادرة على تحقيق الريادة اللوجستية التي تمكنها من المنافسة بقوة على الساحة العالمية لتكون إحدى أهم الوجهات اللوجستية العالمية.
كما أن القطاع اللوجستي يعد إحدى المبادرات التي خرج بها البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي (تنفيذ) والبالغة 16 مبادرة، ويأتي في هذا الإطار توقيع شركة عمان اللوجستية (إحدى شركات مجموعة أسـيـاد) ومؤسسة عمان للاستثمار ش.م.ع.م، ومجموعة محمد آل علي السويلم اتفاقية تطوير مدينة خزائن الاقتصادية والتي تهدف إلى تعزيز وتنمية الشراكة بين القطاعين الخاص والعام في بناء مدينة استثمارية متكاملة، حيث يمثل تطوير هذه المدينة الاقتصادية بجنوب الباطنة استكمالًا لخطط "أســياد" في دعم البنية الأساسية للقطاع اللوجستي، وسعيًا منها إلى تنمية الحركة التجارية في السلطنة، وإتاحة فرص استثمارية واعدة للقطاع الخاص، ورفع معدلات التنافسية من خلال وضع السلطنة كمركز رئيسي للخدمات اللوجستية على المستويين الإقليمي والعالمي.
وتعد الاتفاقية في الشكل والمضمون ترجمة مثالية لواقع جديد تسعى السلطنة إلى تحقيقه، وهو رفع مستوى الشراكة الفعلية بين القطاع العام والقطاع الخاص، بما يرسي أسسًا راسخة للاقتصاد الوطني بحيث يقوم على التنوع والتطور والتماشي مع حركة الاقتصاد العالمي القائم على التنافسية وحسن استغلال عنصر الوقت والموارد طبيعية كانت أو بشرية، ومقومات البنية الأساسية كالطرق والموانئ والمطارات والمناطق الصناعية والاقتصادية والمنافذ الحدودية، وتعظيم الإنتاجية وتوفير المناخ الملائم للاستثمار، وتعدد الموارد خصوصًا فيما يتعلق بالقطاع الخاص، وتيسير التعامل مع الأجهزة الحكومية ومسايرة هذا الواقع بحزمة تشريعية وقانونية تسهِّل الإجراءات وتشجع الاستثمار، وتوجد بيئة مريحة تمتاز بانسيابية المعاملات لجعل عُمان بيئة استثمارية جاذبة. وبموجب هذه الاتفاقية ستشتمل المرحلة الأولى على ميناء بري ومستودعات للتخليص الجمركي، وخدمات مساندة تضم الخدمات الإدارية العامة لتسهيل إجراءات المستثمرين، ومركز خدمات الشاحنات ومنطقة الخدمات اللوجستية التي تتوافر بها خدمات الأمن والمراقبة المستمرة، وتضم مستودعات جاهزة للاستئجار بمساحات واسعة ومختلفة، ومخازن جافة ومخازن التبريد، وساحة تخزين مفتوحة، ووحدات تخزين منفردة ومستودعات تجارية والمرافق والخدمات، والمنطقة الخضراء المتعددة الاستخدامات وهي القلب النابض للمدينة والمخصصة للاستخدامات المتعددة كالمكاتب والمحلات التجارية والمساكن والفنادق، وخدمات التعليم والتدريب والعديد من المرافق المشابهة.