الولايات المتحدة وحلفائها يبحثون عن السياسة.. وروسيا تريد تعويض تكاليف مشاركتها في الحرب
فرنسا تتأهب.. وتركيا تتأمل.. وألمانيا تدرب نصف مليون لاجئ على تخصصات الإعمار

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/04/ayman-hussien.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أيمن حسين
مراسل الوطن[/author]

مقدمة:
سبع سنوات على بدء الحرب على سوريا نتائجها كارثية على الدولة السورية وعلى المواطن السوري وعلى الاقتصاد السوري. اليوم.. ومع كثرة الحديث عن إعادة إعمار سوريا يُطرح سؤال أساسي عن ظروف هذه العملية. تُظهر محصلة سبع سنوات من الحرب التي تعصف بسوريا منذ العام 2011 أن المُتضرّر الأول هو المواطن السوري مع مئات الألوف من القتلى ونزوح أكثر من نصف الشعب السوري وأكثر من 13 مليون سوري في حالة عوز غذائي. نعم إنها حصيلة كارثية على المواطن السوري الذي يُحاول أن يتخطّى هذه الكارثة بالنزوح داخل سوريا أو إلى بلدان مجاورة أو بعيدة.

//أضرار وسلبيات:
الاقتصاد السوري تضرّر بشكل كبير حيث إن الناتج المحلي الإجمالي السوري انهار منذ العام 2011 مع انكماش 25% في العام 2012 إلى 2013. في العام 2014 سجلّ الاقتصاد السوري ركودًا مع بدء تغيّر المعادلات العسكرية على الأرض ليُعاود في العام 2015 انكماشه بنسبة 10%. في العام 2016 سيطر الركود على الاقتصاد وكذلك كان الحال في العام 2017 وسيكون في 2018 ما لم تتوقف رحي الحرب بحسب التوقعات.
فبحسب مركز بحوث أميركي تقلصت الصادرات السورية بنسبة 80% من القيمة الحقيقية بين العامين 2010 و2015. ويعود ذلك إلى تراجع الصادرات البترولية مع وقوع العديد من الآبار تحت سيطرة داعش مما أثر كثيرًا على الصادرات بحكم أنها كانت تُشكّل 50% من إجمالي الصادرات و30% من مداخيل الدولة.

//اجتماعات الإعمار:
استضافت العاصمة الروسية موسكو مؤخرا اجتماعاً ضم أكثر من 200 من قيادات الشركات الروسية لمناقشة آليات تقاسم كعكة أعمار سوريا. وجني عوائد الدور العسكري لموسكو في سوريا. وتطرق الاجتماع لكافة مخططات الأعمار ومتطلباته بدءاً من الخدمات الهندسية وحتى محطات الوقود تمهيدا للبدء في تنفيذ مشروعات إعادة أعمار سوريا والتي سوف تتكلف ما بين 200 إلي 500 مليار دولار أميركي. وبالطبع ستكون الأولوية للحليف الروسي الأول كما قال الرئيس السوري بشار الأسد. وضم الاجتماع مسئولين في الحكومة السورية وبحوزتهم ملف يضم 26 مشروعاً تسعي دمشق لتنفيذها عن طريق استثمارات روسية. وشمل ذلك خط سكة حديد يربط العاصمة السورية بمطارها. ومنشآت صناعية عديدة ومحطات لتوليد الطاقة الكهربائية.
ولكن هذه المشروعات كما تقول صحيفة "الفاينانشال تايمز" البريطانية تواجه تحديات هائلة وفي مقدمتها من سيدفع تكلفة الأعمار؟ لعل موسكو التي تدخلت عسكريا في عام 2015 وحولت ميزان الحرب لصالح الدولة السورية تريد نصيبها وكذلك دول الاتحاد الأوروبي التي تصر على أن يكون هناك أولا اتفاق سياسي لإنهاء الصراع. وهناك دول أخرى ستدخل في الصراع على إعادة الأعمار.

ويشير طارق الجوابرة مدير التعاون مع أوروبا في هيئة التخطيط والتعاون الدولي السورية إلى أن الروس يمكن أن يساعدوا دمشق من حيث المبدأ. ولكن السؤال المفتوح هو من أين يمكن الحصول علي المال؟. ربما يحمل البترول والغاز إجابة لهذا السؤال. فضلاً عن كونه القطاع الأكثر أهمية للروس. ولكن للأسف العقوبات الغربية على البترول السوري ستجعل التمويل والاستثمار في هذا القطاع مخاطرة كبيرة كما أن أي شركة روسية ستقدم معدات أو خدمات لمنتجي البترول السوريين تخاطر بتدابير عقابية.

ومن المعلوم أن البترول والغاز كانا يوفران للحكومة السورية قبل الحرب نحو ربع إيراداتها. ولكن إنتاج الغاز انخفض في عام 2017 إلى النصف بينما انخفض إنتاج البترول من 383 ألف برميل يوميا إلى 8 آلاف فقط.
ومن جانبها تسعى موسكو إلى وضع شركاتها على أهبة الاستعداد ما أن يستعيد قطاع البترول والغاز السوري نشاطه من جديد. وسعياً إلى ذلك وقع مؤخراً "أكسندر نوفاك" وزير الطاقة الروسي اتفاق تعاون مع نظيره السوري وذلك لضمان مشاركة الشركات الروسية في المشروعات السورية المقبلة.
وعلى الرغم من أن غالبية البنى التحتية للبترول والغاز في سوريا قد تم تدميرها كلياً أو جزئياً. إلا أن مشاركة الشركات الروسية في ترميمها سيحقق أرباحا مستقبلية جيدة لها وذلك بحسب فيكتور خايكوف رئيس الجمعية الوطنية الروسية لخدمات البترول والغاز. ومع ذلك فمن غير الواضح كيف يمكن للشركات الروسية الدخول لسوريا في ظل العقوبات الغربية. وتشير الفاينانشال تايمز إلى أنه في الوقت الراهن تستخدم بعض الشركات الروسية أساليب غير تقليدية لثبيت أقدامها في سوريا والإفلات من العقوبات. ويخلص التقرير إلى أن النهج غير العادي الذي تتبعه موسكو هو السمة المميزة لعملية إعادة الإعمار، حيث ستضع روسيا القواعد بدلا من الغرب. ويقول "أندريه باكلانوف" السفير الروسي السابق لدى المملكة العربية السعودية إن سوريا ستصبح أول ساحة معركة اقتصادية يسير فيها التعمير والتنمية الاقتصادية وفق نموذج جديد كلياً.

//تكلفة باهظة:
وصرح رئيس غرفة التجارة والصناعة الروسية سيرجي كاتيرين بأن تكلفة إعادة أعمار سوريا تقدر ما بين 200 و500 مليار دولار. وقال كاتيرين على هامش منتدى الأعمال الروسي السوري في موسكو مؤخرا إن إعادة أعمار الاقتصاد السوري ستتطلب ما بين 200 و500 مليار دولار مشيرا إلى أن السلطات السورية تمنح الأولوية للشركات الروسية في هذا المجال. وأضاف أنه في حال وجود الدعم من الخارج سيكون من الممكن البدء باستعادة القدرات الاقتصادية المفقودة للبلاد على وجه السرعة.
يذكر أن العاصمة الروسية استضافت مؤخرا منتدى الأعمال الروسي السوري بمشاركة 281 رجل أعمال من روسيا و120 رجل أعمال من سوريا مع ممثلين من عدة جهات حكومية سورية معنية بالشأن الاقتصادي.

//مطالب غريبة:
ولن تشارك الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وكذلك شركاء أميركا الإقليميون في الجهود الرامية إلى إعادة إعمار المناطق السورية الخاضعة لسيطرة الدولة السورية. فقد طلبت أميركا من شركائها الأوروبيين والإقليميين عدم المشاركة في إعادة أعمار المناطق الخاضعة لسلطة الحكومة السورية. وقد أكد ذلك وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في خطاب بجامعة ستانفورد.
وأكد الوزير تيلرسون ـ الذي أقاله ترامب من منصبه الأثنين الماضي ـ أنه يعتزم إقناع الدول الأخرى بالامتناع عن أي علاقات اقتصادية مع دمشق. وأن هذه الحالة ستبقى حتى إزاحة الرئيس الأسد من السلطة من خلال عملية تحت رعاية الأمم المتحدة. وفقط بعد ذلك ستكون الولايات المتحدة سعيدة بالإصرار على تطبيع العلاقات الاقتصادية بين سوريا والدول الأخرى.

ولكن هناك شكوك في أن تسير أوروبا في أعقاب واشنطن في جميع مشاريعها السورية فعلى سبيل المثال لا مصلحة لفرنسا بأي حال من الأحوال بالخلاف مع تركيا على مثال الولايات المتحدة. وقد بدا ذلك واضحا بعد اجتماع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخير الذي قيل إنه حقق اختراقا، وإعادة أعمار سوريا في باريس تسمى واحدة من الاتجاهات الرئيسية لسياسة ماكرون.
وفي السياق ذاته يقول الباحث السياسي الألماني ألكسندر رار،أنه من المثير للاهتمام كيف ستنظر فرنسا إلى منع المشاركة في إعادة إعمار سوريا مستعمرتها السابقة. فلدى فرنسا فرص للتدخل في هذه المنطقة أكثر من ألمانيا.
إن ألمانيا بلا حكومة الآن وبالتالي فلا طاقة للبلاد بسياسة خارجية نشطة. لكن برلين لديها مصلحة حيوية في إعادة إعمار سوريا على الأقل من أجل عكس تدفق اللاجئين من الحرب المستمرة منذ 7 سنوات ودمرت البلد .

ووفقا لمصادر مختلفة في ألمانيا الآن بين نصف مليون و900 ألف لاجئ سوري. ففي يونيو الماضي طرحت وزارة الدفاع الألمانية مشروع تدريب المهاجرين على تخصصات من أجل إعادة إعمار سوريا.
أما بالنسبة للولايات المتحدة فالمطالبة برحيل الرئيس السوري بشار الأسد ليست خطأ إنما "عقيدة مقدسة" فبعد تفكك الاتحاد السوفييتي تنفس الأميركيون الصعداء ورأوا أنهم منذ اللحظة سيكونون الأسياد الوحيدين في الشرق الأوسط ولكن فجأة ظهرت لهم روسيا هناك.
الخلاصة:
هناك انقسام وطموحات وأطماع في اقتسام كعكة إعادة إعمار سوريا ولكن السؤال المثير للجدل كيف يمكن وقف دوائر الحرب والصراعات في سوريا التي ما تلبث أن تهدأ بهدنة لتشتعل مجددا على مختلف الأصعدة خاصة من قبل التنظيمات الإرهابية المسلحة ووسط براكين العنف يصعب تحديد خرائط لإعادة أعمار هذا البلد المنكوب بينما تشير التكهنات إلى احتياجات بمئات المليارات من الدولارات للإعمار تبحث عن مصادر ومانحين بين دول وحكومات العالم.