كَان ظِلُّكِ خلوةِ العُشاقِ
فِي الظهيرةِ
كنتِ مَلاذاً لقوافلَ العَابرينَ
وقهوتِهم
هل تَذكرينَ كم تَسلقتْ طُفولتي
أغصانَكِ الطَريةَ ؟
كَم كُنتِ حَنونةً ودافئةً
رَغم شَقاوتي وأنا أتدلى بأطرافِكِ
أين أسرابُ العَصافيرَ
وهي تعودُ كُلَّ مساءٍ
لتفوزَ بدفءِ حَنانِكِ ؟
أين خيوطُ الشمسِ
وهي تمسحُ شَذى
أوراقِكِ النديةِ ؟

***
أيتُها الشجرةُ العتيقةُ
يا شجرتِي الصامتةِ
كانت أجراسُ قلبي تَخفقُ
في كُلِّ صَباحاتِ عِنفوانَكِ
كانت أغصانُكِ أوتارَ كمانٍ
كَرعشةِ مَلاكٍ في قلبي
آه يا ساحِرتي الجميلةِ
اليومُ وأنتِ شَاحبةٌ وحزينةٌ
كشمسٍ غَاربةٍ
هل كنتِ تُدركينً خيانَةَ الريحِ
وهي تخطفُ الغيومَ
الماطرةَ من فوقِكِ ؟
***
ها أنا في عِقدِي الخَامس
أعودُ إليكِ يا فَرحَ طُفولتِي
لعلي أفوزُ برائحةِ حَنينٍ بعيدةٍ
وشقاوةِ طُفولةٍ زهريةٍ
كم كانَتْ دُموعُ جيدِكِ الجَافِ
بَلسماً يمسحُ عتمةً
في الفؤادِ وسأمِ الليالي
لعلكِ تُوقدينَ مشاعِلَ
جذوةِ الروحِ
لعلكِ تَبعثينَ بموسيقى
السواقِي القَديمةِ .
***
أينَ آثارُ أقدامِ الدروبِ
الذاهبةِ إليكِ ؟
كانت الأحجارُ المتناثرةُ حواليكِ
كأنها حُراسُكِ الأمينينَ
وخلفَ تَلةٍ بعيدةٍ
كانتْ رَاعيةٌ تَهِشُ غَنمَها
بعيداً عنكِ
كُنتُ أعرِفُ أنكِ تُرمِقينها
بنظراتِ حسرةٍ وحُزنٍ دفينٍ
***
رِغم هذا في كُلِّ مرةٍ آتي إليكِ
فإنك تشحذينَ قلبي
تُضيئينَ النُجوم بِدربِي
حَتماً ستصعُدُ روحِي
يوماً ما
وستسجى جُثتي بقربِكِ
سأقولُ لروحي
أن تأتِي بِالغيومِ الماطرةِ
ستزهرُ أغصانُكِ من جديدٍ
وسيقصُدكِ العُشاقُ والشعراءُ
لَن أشعرَ بالغربةِ أو الوحدةِ
وأنا بجانبكِ
حتماً ستُلقين إليَّ
بثمارك الشهيةِ
سنفرحُ سنرقصُ سوياً إلى الأبدِ
لن أتأخر عَليكِ
يا بهجةَ رُوحي
سألملمُ دفاتِري وقصائدِي
سنقرأُ الشعرَ سوياً
للعشاقِ والسامرينَ
سنقولُ للقمرِ
لن نكونَ بمفردنا بعدَ اليومِ
ستكونُ شاهداً على عشقِنا الأبدي
سنكونُ معاً كفتنةِ الفجرِ

هاشم الشامسي