عبده ولعبة الألوان:
يبدأ الكاتب السعودي (عبده خال )في رواية (صدفة ليل) التلاعب بالألوان على نحو صريح ومبكر فيضع اللون الأسود في أعلى القائمة مضمنا إياه في العنوان من خلال لفظ (ليل) الذي كثيرا ما يرتبط باللون الأسود بدلالات متباينة ومختلفة وإن كان مجملها يحيل إلى معاني الوحشة والرهبة والخوف.
وتكثف صورة الغلاف من رمزية اللون الأسود ، حيث سيطر اللون الأسود على خلفية الصورة – رغم وجود بعض الألوان- مما أعطى انطباعا بقوة هذا اللون وتمهيدا لتصوير سيطرته على الرواية وعلى حركة الشخصيات وصراعاتها المتباينة.
وتتسع دائرة اللون الأسود في روايته فيعمق من دلالته ويلبسه ألوانا من السوداوية المكثفة فيلصقه في وصفه لمظاهر الطبيعة التي تتفاعل مع الشخوص وحياتهم الرتيبة الموحشة (في الليل يكون جبل ظلم أكثر سوادا من الليل نفسه).
ويصبح الليل هو الجاثم على معالم الحياة في القرية (كان المساء دامسا وإضاءات البيوت عاجزة عن أن تلتهم كل تلك الظلمة المنتشرة في الأزقة ).
ويعمق الكاتب من سوداوية النص حين يجعل من الظلام رفيقا لشخوص روايته حين يستولي عليهم اليأس فيطلبونه ويمتزجون معه بدون خوف :
(ورويدا رويدا التهمته ظلمة طريق الحجاز فأوغل فيها من غير اكتراث).
ويمتد دور اللون الأسود في تحديد ملامح الشخوص المتحركة في روايته ويحتل اللون الأسود ونقيضه (الأبيض) بؤرة الصراع الذي يتصاعد بين أبطال الرؤية .
فهذا اللون بينما يمثل لشخص (البيشي) واقعا رضي به وعاش دون أن يشعر بالغضاضة (في قلبه حنين متسع لأن يعود إلى ما كان عليه أجداده ، لذا يغضبه جدا تنطع ابنه وتشوفه إلى المناصب الرفيعة ).
فإنه يمثل لابنه (فائز) -الذي أطلق عليه الكاتب لقب الليل- عقبة حاول تجازها بوسيلتين:
- عمله كسياف.
- زواجه من (قطوف) التي تمثل اللون المناقض له.
• ولكن المفارقة التي رسمها الكاتب بأن جعل اللون (الأبيض) المتمثل في (قطوف) مساهما في زيادة أزمة اللون (الأسود) بحيث فقد (فائز) في النهاية كل شيء (الوظيفة) و(الحب) و(الكرامة).
• بل أن الكاتب لا يكتفي بأزمة (فائز) الحالكة ، فيصنع له عقبة أخرى يمثلها (سليم) الذي يستمر في رسم السواد في حياة (فائز) ويثير أوجاعا عانى منها الأخير وتجرع أكوابها القاتمة لتزيد حياته شجونا وألما وسوادا :
(نار الضغينة لم تخمد في قلبه ، ففي كل زمن ثمة حادثة تجدد اشتعال جمراتها على سليم .فلم يعد مبقيا على بهجة حياته إلا حلم ممتد أن يجعل سليم يتمنى الموت فلا يجده).
• فالشخوص هنا تتحرك في دائرة اللون الأسود بمعناه السلبي الذي يقوم حول مفهوم الغربة والدونية والخوف الدائم الذي يجثم على صدورهم ، واللون الأبيض رغم معانيه التي تشير عادة إلى دلالات تتسم بالإيجابية يتحول هو بدوره إلى عنصر يفضح العنصر المقابل له ويكشف قصوره ويزيد من حزنه ومواجعه.
• بل إنه يلتبس قناعا زائفا يساعد في تأزم الأحداث ويكثف من سوداوية الرواية بشكل كبير.

وفي الفصل الثاني من الكتاب الذي يعنونه الكاتب باسم (الأبناء) يواصل عبده استخدامه للألوان مع تكثيف واضح للون الأبيض ، بل واجتماعه في علاقه واحدة تربط بين ابن سليم (فيصل وبين قطوف) حيث يجعل الكاتب اللون الواحد يبحث عن نظيره ، متجاوزا بذلك دائرة الدين والأعراف والأخلاق.
ومع ذلك يحتفظ عبده بمركزية اللون الأسود التي افتتح بها الرواية، حيث يرسم صورة أخرى تمتد من أصول اللون الأسود (لفائز) متمثلة في ابنته (هيام) التي تدفعها دائرة الصراع التي واكبت تطوراتها في حياة (والديها) إلى رفض الاقتران بكل ما يخالف لونها ، فرفضت اللون الأبيض متمثلا ب(ياسر) حتى لا تعيش الصراع المرير الذي شهدت أطواره وعانت من تبعاته.
وتصل أحداث الرواية إلى ذروتها بعد أن يعمق الكاتب من حدة الصراع بين الأسود الذي يمثله (فائز) وبين البياض المتمثل في (فيصل) حيث يقضي (فائز) بطريقة بشعة على (فيصل) :
(أطل فائز وبكل غلظة انهال بقضيب معدني مهشما هامة فيصل راميا بشرر عينيه وجه قطوف . لم يتأخر كثيرا ، قبض بيده اليسرى على غرة شعر فيصل ومرر السكين الحادة على رقبته فتراشق الدم من حنجرة اتسعت لخروج غرغرة لم تمكن العينين من معرفة قاتلها).
وفي نهاية المطاف يعلن اللون الأسود انتصاره الوهمي على اللون الأبيض حين يصرخ في وجه (سليم) المنافس الأزلي:
(يا سليم ، لم يكن قطف رقبة ابنك إلا ردا لدين قديم!).
• في لعبة الألوان أجاد عبده خال في رسم لوحة ، كان اللون الأسود هو اللون السائد فيها ، واستخدامه للون الأبيض ، ساهم في زيادة حدة الصراع ، وكشف عن خبايا النفوس وانكساراتها الداخلية، إنها مأساة الإنسانية بصورها المؤلمة ، إنها صفعة للمجتمع ، للحياة المثقلة بالتعاسة ، بالحزن ، بالذل ، وباللون الأسود.

أمل المغيزوية