عرض ـ حسام محمود
■ من المعروف أن العرب من خلال الغزوات التى قاموا بها والانتصارات التي حققوها والاحتلالات التي خضعت لها بلادهم , والعلاقات التجارية التي أقاموها مع الغير , تولد لديهم تمازج حضاري وثقافي مع الشعوب الأخرى شملت النواحي الفنية والإبداعية ، ومنها التصوير الشعبي الذي عايش وجاور كثير من الفنون , فكان قريبا من بعضها يحكم علاقات الدين والمعتقدات والنظم الاجتماعية والفكرية .
فنون التصوير
في كتاب « التصوير الشعبي العربي» لمؤلفة دكتور أكرم قانصو الصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت تبدو العلاقة بين التصوير الشعبي العربي والتصوير الإسلامي علاقة تفاعلية فبعض النقاد يعتبرونه تصويرا شعبيا اسلاميا نتيجة التشابه الكبير بين عناصر العملين , والبعض الآخر لا يتفق مع هذا الرأي . وفي كلتا الحالتين لم يقدم الباحثون حججا وبراهين لإثبات صحة أقوالهم . فالتصوير الشعبي العربي يحمل خصوصية عربية من جهة وقريب في بعض خصائصه من التصوير الإسلامي , ولا يمكن اعتباره تصويرا إسلاميا صرف , فالإنسان العربي هو ابن بيئة إسلامية عايشها منذ الدعوة المحمدية وحتى أيام ازدهارها , فتطبع بطبائعها واعتنق تعاليمها السماوية , فمن الطبيعي جدا أن يؤثر هذا التقارب بين الإنسان العربي والفكر الإسلامي في الإنتاج الإبداعي والفني . ويبدو التصوير الشعبي العربي فن فطرى يخضع لتقاليد متوارثة عبر الأجيال يقوم به الناس من عامة الشعب يتمتعون بثقافة عادية , فهو مجموعة من الخطوط والألوان والأشكال مرسومة بمواد سهلة وميسرة غنية بالرموز والدلالات , وتختصر تاريخ أمة بمالها من تقاليد وعادات وأمثال وطقوس . إنه يعبر عن روح الجماعة , بفن وظيفي غايته إما جمالية بقصد تزيين البيوت والحوانيت والأواني وغيرها , وإما علاجية بقصد الاستشفاء من الأمراض , وإما سحرية بقصد طرد الأرواح الشريرة وتجنب إصابة العينين وإما دينية بقصد العبادة والتقوى , وتلك الثقافة دائما تدور حول فنون التصوير للسير الشعبية والدين والتاريخ والزخرفة . ويعطى الفن الشعبي الحياة العربية طابعا متميزا جماليا وحضاريا , يقوم فى نفس الوقت بتأكيد الرابطة الأصيلة للإنسان العربي في وحدة التعبير عن وحدة الفكر والوجدان , وتكامل المزاج النفسي في صنع الحياة , والفنون الشعبية تشمل التعبيرات الروحية كفنون الأدب الشعبي والموسيقى والرقص. وتشمل التعبيرات المادية كفن الرسم والنقش والنحت والعمارة والأثاث والأزياء والصناعات الشعبية الأخرى . وربط بعض العلماء علم الفولكلور بالتراث الشفهي والبعض الآخر أدخلوا عليه المأثورات المادية معتبرين أنه لا فرق بين التراثيين الروحي والمادي فهما ركنا من المأثورات الشعبية والوطنية . وكانت الفنون الشعبية غير مدرجة عند العرب قديما ضمن الفنون لكنها فرضت نفسها حديثا حتى صارت ضمن التراث , وأصبحت لها مدارس تعتنى بها . أما الفنون البدائية فهى فنون ما قبل التاريخ , وفنون المجتمعات التى عاشت على الصيد وجمع الثمار , فيما تمتاز الرسوم الفطرية بمعظم خصائص التصوير الشعبى , ويعيش الرسام الفطري نفس حياة الرسام الشعبي , كما إنهما يتمتعان بمقدرات وإمكانيات عضلية وعقلية واحدة , إلا انه يمكن الفصل بين الحالتين , حيث إن الرسوم الفطرية تعبر بالوصف الدقيق عن مشاهد الحياة داخل المجتمع , بخلاف الرسوم الشعبية المرتبطة بالاستخدام الشعبي .
جذور ثقافية
ترجع جذور التصوير الشعبي فى الوطن العربي إلى القرون الأولى للتاريخ الميلادي أى مع بداية ظهور الحركات الشعبية , وبزوغ نظام حكم القبائل والأساليب الرومانية والإغريقية والفارسية بجانب الأساليب المستوحاة من الحضارات القديمة فى المنطقة العربية , واستمرت هذه الفنون محتفظة بتقاليدها خاصة القبطية حتى مع العصر المملوكي في مصر , والعصور الحضارية المختلفة ببلاد الشام وشبه الجزيرة العربية وبلاد الرافدين , حيث بزغت مع تطور الحضارات صور متألقة لفنون التصوير تركت بصمة شعبية بتفاعلاتها مع الواقع , ثم اجتاح الطابع العربي والإسلامي فنون التصوير فى المنطقة ليملئها قدرة على التأثير فى الفنون المحلية لدرجة العالمية بعد أن دخلت فتوحات المسلمين مشارق الأرض ومغاربها . وثقافة أي أمة تتكون من ركيزتين مهمتين إحداهما شفوية مأثورة بين الناس , وتتناقل وتستمر عبر الذاكرة والنقل الشفهي , إنها تمثل مادة البحث الفولكلوري والثقافة الشعبية للمجتمع . والأخرى مدونة ومؤرشفة تمثل مادة البحث التاريخي . هذا الجانب من الثقافة يمثل فى المجتمع العربي الحيز الأهم من تاريخ الأمة وتطورها الحضاري كما يعبر عن البناء الفكري للمجتمع . ولو عدنا شيئا إلى الوراء لوجدنا أن المجتمع العربي كان قبليا يعيش فيه الإنسان ساعيا إلى التجمع لمواجهة القوى الغريبة التي تتحكم في البيئة والحياة . ■