[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]

” ركون المسئول واعتماده على الخبير وثقته بقيمة العمل الذي يقدمه واستشعاره بعظم المسئولية التي يقوم بها وامتنانه بالجهود التي يبذلها من أجله أفقده الاهتمام بتأهيل الموظف العماني وإكسابه المهارات المطلوبة وإحلاله محل الخبير غير العماني، بل إن بعضهم ولكي يضمن بقاء الخبير الأجنبي بجانبه سعى من خلال مركزه إلى إكسابه الجنسية العمانية. ”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ما يزال الخبير غير العماني، المتربع في كرسيه الوثير المحتفظ بوظيفته المركزية المطمئن إلى مكانته الرفيعة، محورا للنقاش ومثارا للخلاف في العديد من المؤسسات الحكومية والخاصة بل وتجاوز ذلك إلى منصات وسائل التواصل المجتمعي، بحكم: ما يتمتع به من ثقة راسخة مميزة تتجدد وتتعاظم يوما بعد آخر من قبل عدد من المسئولين في بعض المواقع في القطاعين الحكومي والخاص، وهي ثقة لا اعتراض عليها في الخبير الأمين المخلص الكفء الذي يستحق الاحترام والتكريم ولا يبخل بمهاراته وعلمه وقدراته الفائقة وتوجيهاته السديدة، على زملائه من العمانيين، وما تزال البلد في حاجة إليه، لاعتبارات كثيرة جميعنا يدركها، وهي ثقة ستجد الرضا دون شك في نفوس العاملين ولن تثير ثائرة عندما تفيء بظلها الوارف الجميع دون استثناء وتشعرهم بنسماتها العليلة دون تمييز في ظل منافسة عادلة تعتمد على الكفاءة والعطاء والتقييم الدقيق، وعلى الاحتكام أولا وأخيرا إلى اللوائح المنظمة للحقوق والواجبات.
الاستشارة التي تطلب منه والرأي الذي يقدمه غير محددتين أحيانا بالمجال العلمي والتخصصي الذي يحمله والمسمى الوظيفي المضمن في قرار تعيينه بل تتعدى ذلك إلى مجالات أوسع وأرحب، وقد تصل إلى رسم السياسات ووضع البرامج وتحديث آليات العمل في المؤسسة، بعيدا في مواضع كثيرة عن الموظف العماني الذي تتناسب وظيفته وتخصصه مع نوع العمل، وهنا تبرز نقطة اعتراض كبيرة تثير حفيظة أولئك الذين يشعرون بتدخل الخبير في اختصاصاتهم الوظيفية والعلمية وهو تدخل يشترك فيه مع المسئول الذي يكلفه بأعمال ويستشيره في مواضيع ومسائل لا تدخل في مجال اختصاصه الوظيفي ولا العلمي ولا يعترض هو في المقابل على ذلك التكليف وإنما يراه دليلا قويا على الثقة الواسعة التي يحظى بها.
دائما ما يحمل الخبير غير العماني، ثقافة بلده وفكره الخاص المرتبط بعوامل التنشئة والوراثة والبيئة والمسار التعليمي، وأخيرا مصلحته الشخصية في استمراره في وظيفته، التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالمسئول أكثر من ارتباطها بالمؤسسة، مما يعني أن استمراره في الوظيفة يتطلب رضا ذلك المسئول القادر على إنهاء عقد عمله في أي لحظة يرى فيها أنه آن الأوان للاستغناء عنه، وهي عوامل تنعكس دون شك سلبا وإيجابا على ما يقدمه من استشارات وما يطرحه من رؤى وأفكار وما يعده من دراسات وأوراق عمل، وهو واقع لا يخلو من مخاطر في ظل الثقة الكبيرة التي يحظى بها والاعتماد الواسع على رأيه واستشاراته .
ركون المسئول واعتماده على الخبير وثقته بقيمة العمل الذي يقدمه واستشعاره بعظم المسئولية التي يقوم بها وامتنانه للجهود التي يبذلها من أجله أفقده الاهتمام بتأهيل الموظف العماني وإكسابه المهارات المطلوبة وإحلاله محل الخبير غير العماني، بل إن بعضهم ولكي يضمن بقاء الخبير الأجنبي بجانبه سعى من خلال مركزه إلى إكسابه الجنسية العمانية.
هذه الثقة وهذا الاعتماد وهذا الركون وهذا الاطمئنان وهذا التوسع في تكليف الخبير غير العماني، وطابع السرية التي تكتنف الأعمال المكلف بها وحده دون غيره أفرز العديد من السلبيات منها، أولا : اهتزاز ثقة الموظف العماني الحريص على الارتقاء المؤمن بالحراك الوظيفي من خلال الجد والعمل والمنافسة الشريفة، ببيئة العمل والمؤسسة المرتبط بها وظيفيا. ثُانيا: ممارسة أعمال هامشية لا تضيف إلى الموظف الكفء القادر تجارب و مهارات جديدة ولا تخلق لديه الإحساس بالرضا. ثالثا: لا يحظى بالاطلاع على أغلب الأعمال التي يقوم بها الخبير غير العماني، فيتشرب من خبرته ومن تجاربه الثرية. رابعا أدى هذا الوضع إلى التوتر النفسي والفراغ الوظيفي والجمود الإداري.
لا شك في أن التشجيع على تبادل الخبرات والتجارب بين المؤسسات والأفراد والشعوب والأقطار مسألة غاية في الأهمية ولا خلاف على ذلك، واستعانة المسئولين والمؤسسات بالخبرات الأجنبية من أجل التطوير والارتقاء والاستفادة من تجاربهم نهج عالمي ساهم في النهوض والتحديث والتأهيل، وتتطلب العديد من المهام الحساسة والأعمال التخصصية الفنية والقطاعات الدقيقة الهامة في السلطنة خبرات أجنبية لكي تعمل يدا بيد مع خبرات عمانية في تعاون واحترام وثقة وتبادل للخبرة للوصول إلى نتائج فاعلة بعيدا عن الأجواء المشار إليها في صدر هذا المقال، ولكن أن يستمر بعض المسئولين في القطاع الحكومي في استقدام خبرات أجنبية في وظائف لا تشكل تحديا ولا تتطلب معجزات وبحجج ومبررات واهية : مثل الحاجة الماسة، وضعف امكانات وقدرات المتقدمين والعاملين من العمانيين هو دليل فشل يلاحق هؤلاء المسئولين الذين لم يبذلوا وكما يبدو جهودا مقدرة لتدريب وتأهيل وتطوير قدرات الموظفين العمانيين في مؤسساتهم للقيام بتلك المهام والتخصصات.

سعود بن علي الحارثي
[email protected]