[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2017/03/rajb.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. رجب بن علي العويسي[/author]
يأتي وعي المواطن كمرحلة متقدمة من متلازمة الشعور الايجابي والتمكين الذاتي والقناعة الداخلية، التي تضعه أمام مسؤولية القيام بدور أكثر فاعلية في إطاره الاجتماعي والوطني، تضمن مساحات التأثير في سلوكه، ونقل مسؤولياته وواجباته وحقوقه، إلى برنامج عمل وطني وإنساني يلتزم به ويمارسه في ظل التزام مهني وتوافق نفسي وفكري مع كل المعطيات والمتغيرات التي تشكل واقعه الاجتماعي، وعندما يجد الوعي موقعه في سلوك المواطنين على اختلاف فئاتهم ومستوياتهم الفكرية والتعليمية والمعيشية، فإن قدرة المجتمع على فهم مسؤولياته وتحقيق أدواره الاجتماعية والإنسانية والوطنية ستكون أكثر بروزا وواقعية، بل سيعزز فيه روح المنافسة وسبق التضحية والفداء والمبادرة والعمل التطوعي، وبناء فرص متجددة لديه بالاستفادة من المنجز الوطني بما ينعكس على جاهزيته وتفاعله مع أي مشروع وطني يراد منه أن يكون له حضور فعليا فيه.
على أنه كلما زاد وعي المواطن حول قضاياه الشخصية والعامة ومنظومة القوانين والتشريعات، وكيفية حصوله على حقوقه، وإدراك مسؤولياته، وقدرته على إيصال صوته المعتدل لمؤسسات الدولة التشريعية والبرلمانية، فأدرك حقوقه وواجباته، وما له وما عليه، وعزز من مناخ القوة والتآلف والتعاون في سبيل تحقيق مكاسب نوعية لوطنه؛ كلما عزز ذلك من قوة المجتمع، ووفر له مساحات الأمان، والدخول في شراكات بين المواطن ومؤسسات الدولة، عبر تعزيز فرص التوقعات القادمة، ذلك لأنه يجد في وعي المواطن وفهمه لمسؤولياته، وإدراكه لما تقوم به مؤسسات الدولة من جهود، وشعوره الايجابي بأن ما تحقق من إنجاز، إنما يستهدف أمنه الشخصي والوطني، فيوجه نشاطه وقدراته من أجل دعم هذه الجهود، وتقوية رصيد حضورها في برامج التنمية واستراتيجيات التطوير، ويشارك بفاعلية في نقل صورتها الحقيقية إلى أفرد الوطن الآخرين كالأسرة ومجتمع المتعلمين وغيرهم، بل والآخر أيضا من المقيمين في المجتمع فيصبح في موضع القدوة في ترقية هذه الموارد والاستثمار فيها وكيفية المحافظة عليها، وتأصيل ثقافة المسؤولية نحوها والثقة فيها.
هذا الأمر بلا شك سيضع مؤسسات الدولة أمام مراجعة مستمرة لأنظمتها وبرامجها وخططها بما يسهم في بناء فرص أكبر للمواطن، وتنفيذ مشروعات أكثر استدامة وتأثيرا في حياته، وتوجيه مواردها نحو المشروعات الاستراتيجية التي تزيد من تنوع فرص التشغيل، وتوفير فرص أكبر للباحثين عن عمل، في ظل تعزيز القدرات، وبناء الثقة وتمكين الشباب من الإسهام المباشر في برامج التطوير المتحققة، وبعكس ذلك عندما يكون الوعي المجتمعي هاملا، وقدرة المواطن على فهم مسؤولياته لا تتعدى الأنا والمصلحة الشخصية، فيصبح غير مستوعب للجهود، فيتعامل معها بشيء من الاستخفاف واللا مبالاة وعدم الاهتمام، وغياب مبدأ التقدير الاجتماعي لها، عبر نشر الإشاعات، والكتابات المسيئة في صفحات الانترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي وغيرها.
إن وعي المواطن قيمة مضافة في استراتيجيات التنمية وأرصدة نجاحاتها، لما تضيفه من أبعاد الجودة والتنافسية والاحترافية في المنجز، وتحققه من فرص التأثير والاحتواء للمواطن في بناء قدراته، وتعزيز مهاراته، وإتاحة فرص الحياة السعيدة له، لنقل هذا التحول الحاصل في سلوكه وأخلاقه وقيمه ومبادئه، إلى تعزيز المواطنة الإيجابية وترقية سلوك المبادرة الفعال، وضمان قوة الاعتدال الفكري في التعامل مع كل ما ُيثار حول وطنه، وتمكينه من القيام بدور أكبر في الاستجابة والجاهزية في التعامل مع المخاطر أو الأزمات، والظروف المناخية والطبيعية، فيقف منها موقف الداعم المساند، ويتحول سلوكه إلى مواطن نشيط فاعل مشارك فيه، ملتزم بقواعده ومبادئه، ساعيا نحو تقدمه وتطوره، مدافعا عن قيمه وأخلاقه، حاملا لهويته، واعيا بكل ما يحيط بمجتمعه ووطنه، فيقف منها موقف المواطن المسؤول الملتزم بسياسات الدولة وتوجيهات القيادة الحكيمة لمولانا المعظم في التعامل مع هذه المواقف والأحداث.
على أن بناء مسارات الوعي لدى المواطن وترسيخ قوة الإيجابية والتفاؤل لديه، حول قضاياه اليومية والحياتية والوطنية، وتنمية حس الشعور بالمسؤولية، ودعمه لمسارات العمل الوطني، ووقوفه معها وفق مبادئ الحق والعدل والمساواة، يستدعي قيام المؤسسات بدورها الفاعل في ضبط الممارسة المؤسسية واختصار الإجراءات وتحديث التشريعات والوقوف مع المواطن في مبادراته وحفظ حقوقه والاستثمار في مواهبه وقدراته والحرص على وضعه في صورة المنجز المؤسسي وبناء سياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية وتعليمية يستشعر فيها المواطن قوة الهدف وكفاءة التوجه وعدالة المعايير ووجود الضمانات الساعية لتمكينه من امتلاك محددات الوعي وبناء الهوية الوطنية، وموجهات مبادئ النظام وصون السلم الوطني، والتزام مبادئ السلام والتسامح والتعايش والتعددية وتعزيز لغة الحوار وحرية التعبير في ظل القانون وقيم المواطنة والثبات والمصداقية في المبادئ والالتزام بالقوانين النافذة، والانتقاء الواعي لمصادر المعرفة، وصيانة حق الكلمة ومسؤوليتها في نقل رسالة الوطن والمواطن، باعتبارها مرتكزات للوعي، تستلهم من فكر جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ، وأخلاق العمانيين ومبادئهم، والثقافة العمانية في اعتدالها والتزامها مسلك التأثير والاحتواء، محطات لاكتمال منظومة الوعي وقدرتها على التكيف مع تطور المجتمع.
من هنا تأتي أهمية تأطير معادلة وعي المواطن واستكمال المحددات التشريعية والضبطية والتحفيزية والتمكينية الداعمة لها بما يصنع من وعيه التزاما يمشي على الأرض يلامس سلوكه فيه معايير التميز الوطني الداعية إلى تألقه وتميزه وتنزهه عن كل ما يؤثر على عقيدته الوطنية ومبادئه وأخلاقه.

د. رجب بن علي العويسي
[email protected]