أسهمت العديد من العوامل في تنامي الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان في العالم، وأضحى احترامها مؤشرًا من مؤشرات تقييم تقدم الدول والمجتمعات، وارتبطت بشكل وثيق بمفهوم التنمية المستدامة، حيث تحيل التنمية في مفهومها إلى مجمل التحولات التي تطول المجتمعات في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتقنية بالشكل الذي يوفر الشروط اللازمة لحياة أفضل للإنسان، وبما يصب في استدامة التطور والرفاه للأفراد في جوٍّ من الكرامة وعدم التمييز، حيث يعد المكون البشري أحد أهم المكونات في تحقيق التنمية باعتباره فاعلًا ومستهدفًا بنتائجها، فالتنمية الحقيقية هي تنمية الإنسان، منه تبرز مقوماتها، وإليه تعود نتائجها، فاستثمار العنصر البشري في مجال التنمية يحتاج النظر بتفحص إلى الحاجات الراهنة للإنسان، دون إهمال احتياجات الأجيال المقبلة.
وقد نص النظام الأساسي للدولة على تلك الحقوق ودعمها، بجانب الحق في السلام، والحق في بيئة سليمة، والحق في التمكين والولوج للمعلومات، ورسخ ذلك عبر مجموعة التشريعات الداخلية، وحرص الفكر السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ على المقاربة الحقوقية للتنمية، واستحضر المعايير المتصلة بحقوق الإنسان في السياسات التنموية منذ بواكير عصر النهضة المباركة، حيث سعى جلالته ـ أبقاه الله ـ إلى توفير مكوناتها الأساسية من خدمات تعليمية، وصحية، وعدالة، ودخل كافٍ، وبلورة سياسات تنموية شاملة في جوهرها المواطن، والسعي المستمر إلى الحد من الفوارق الاجتماعية والفقر؛ وتمكين الشباب والمرأة وبناء قدراتهما؛ وتطوير البنيات الأساسية، وإصلاح التعليم وتطوير منظومته؛ والحد من الجريمة؛ وتوفير الوظائف للباحثين عن عمل، واستحضار ذوي الإعاقة أو الاحتياجات الخاصة في السياسات والتشريعات العامة.
وتقوم رؤية السلطنة في هذا المجال على أن الحق في التنمية مثل جميع حقوق الإنسان، حق يمتلكه الجميع، بصورة فردية وجماعية، دون أي تمييز وبمشاركتهم. ويعترف الإعلان بالحق في تقرير المصير وفي السيادة الكاملة على الثروات والموارد الطبيعية، والسعي إلى التنمية الاقتصادية ليس غاية في حد ذاته، والحق في التنمية يجعل الناس محورًا للعملية الإنمائية التي تستهدف تحسين رفاهية السكان بأسرهم والأفراد جميعهم على أساس مشاركتهم النشطة والحرة والهادفة في التنمية، وفي التوزيع العادل لما تؤتيه من فوائد، وفي هذا الإطار فإن اللجنة العمانية لحقوق الإنسان كانت سباقة في الأخذ بزمام المبادرة للتعريف بخطة 2030 لأهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة في عام 2015. ففي عام 2016، وتنفيذًا لإعلان "ميريدا" في المكسيك، تبنت اللجنة برنامج التوعية للمؤسسات الذي هدف إلى تعريف الوزارات والهيئات الحكومية بأهداف التنمية المستدامة. وفي عام 2017 نفذت اللجنة حلقة عمل لمدة ثلاثة أيام حول تنفيذ أهداف التنمية المستدامة من منظور حقوق الإنسان بالتعاون مع المكتب الإقليمي للمفوضية السامية لحقوق الإنسان ببيروت.
إن مشاركة السلطنة ممثلة في اللجنة العمانية لحقوق الإنسان العالم العربي للاحتفاء بهذه المناسبة تحت شعار "حقوق الإنسان والتنمية المستدامة" يأتي إيمانًا منها بأن الإنسان هو هدف التنمية وغايتها،وأن حقوق الإنسان لصيقة بالأهداف السبعة عشر للتنمية المستدامة. وإذا كانت الحكومات تسعى جاهدة لتحقيق أهداف التنمية، فإنها أصبحت مطالبة اليوم في المحافل الإقليمية والدولية بتقديم تقارير عن التقدم المحرز في هذه الأهداف وفق مؤشرات واضحة، كما أضحت المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان كاللجنة العمانية لحقوق الإنسان شريكًا أساسيًّا في بناء تلك المؤشرات ورصد الأداء في تحقيق أهداف التنمية. وتأتي مشاركة السلطنة أيضًا كدلالة واضحة على الاهتمام بالتنمية المستدامة، ولإذكاء الوعي بالحق في التنمية، وتعزيز الحوار بشأنه من خلال مجموعة من الفعاليات والأنشطة ذات العلاقة.