[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
التصعيد البريطاني ضد روسيا الاتحادية على خلفية مزاعم لندن بأن موسكو هي التي قامت بتسميم الجاسوس الروسي المزدوج سيرجي سكريبال، لا يبدو في شكله وجوهره بريئًا، خصوصًا وأن هذا التصعيد جاء إثر تطورات لافتة، سواء في روسيا الاتحادية حيث تشهد انتخابات رئاسية هي بمثابة إعادة تجديد الشعب الروسي الثقة في الرئيس فلاديمير بوتين، وكذلك الخطاب التاريخي للرئيس بوتين الذي سبق به الانتخابات، وقطع به الطريق على أعداء روسيا وحلفائها في العالم والمنطقة من أي خطوات عدائية نحوها أو نحو حلفائها، كاشفًا عن قدرات تسليحية روسية جديدة تكسر التوازن القائم بين روسيا والدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة التي تناصبها العداء، بل وتتفوق به عليها، أو على صعيد الأزمة السورية حيث التحرك السوري العاجل المدعوم من حلفاء سوريا وفي مقدمتهم روسيا من أجل تطهير الغوطة الشرقية من رجس الإرهاب التكفيري الخانق لحياة أبناء الشعب السوري في المدينة، الأمر الذي أزعج كثيرًا معسكر التآمر والعدوان على سوريا والذي تعد بريطانيا إحدى قوى هذا المعسكر، وذلك لجهة أن الغوطة هي بمثابة الخاصرة الرخوة في نظر معشر المتآمرين التي يمكن أن تمثل القشة التي ستقصم ظهر العاصمة دمشق، ثم إسقاط الحكومة السورية الشرعية المنتخبة من الشعب السوري، وبالتالي تطهير الجيش العربي السوري الغوطة مما راهن عليه معشر المتآمرين من الإرهاب التكفيري سيطيح بمخطط تدمير سوريا وتفتيتها، وسيؤمِّن الخاصرة الرخوة، فضلًا عن الموقف الروسي الصلب، سواء لجهة دعم الجيش العربي السوري في حربه على الإرهاب التكفيري، أو لجهة إحباط مشاريع القرارات المقدمة من قبل معشر المتآمرين في مجلس الأمن الدولي الساعية إلى تكرار سيناريو ليبيا، فبريطانيا من ضمن الدول المشاركة في صياغة مشاريع القرارات التي تسعى إلى استهداف سوريا، بالإضافة إلى أن فبركة استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين المدعومة من قبل معشر المتآمرين لم تسر حتى اللحظة، كما يريدها المتآمرون لتبرير نياتهم الخبيثة والعدائية ضد سوريا واستهداف العاصمة دمشق ومواقع تمركز الجيش العربي السوري، من أجل دعم الإرهاب التكفيري في مواجهة الجيش، وتمكين التنظيمات الإرهابية التكفيرية من إعادة تدنيس ما طهره الجيش من المناطق السورية والوصول إلى النهاية المرسومة وهي تدمير سوريا.
لذلك يبدو التصعيد البريطاني ـ كما أسلفنا ـ ليس بريئًا وليس من قبيل المصادفة، وإنما هو محاولة انتقامية لتشويه روسيا الاتحادية، وزعزعة ثقة الشعب الروسي في رئيسه فلاديمير بوتين، وإرباك سير الانتخابات، والتأثير عليها، ويأتي في إطار الضغوط الغربية ـ الأميركية المسكوبة على موسكو فيما يتعلق بالأزمة السورية، بدليل التسرع البريطاني في توجيه الاتهام إلى روسيا واتخاذ الخطوات المعادية ضدها التي تقول لندن إنها رد على تسميم الجاسوس المزدوج سكريبال على الأراضي البريطانية، وذلك بطرد 23 دبلوماسيًّا روسيًّا ومقاطعة بطولة كأس العالم التي تستضيفها روسيا حكوميًّا وملكيًّا، وتجميد الأصول الروسية. وهو ما قابلته موسكو بإجراءات مماثلة بطرد 23 دبلوماسيًّا بريطانيًّا واعتبرتهم غير مرغوب فيهم، وسحب الموافقة بشأن افتتاح قنصلية بريطانية في سان بطرسبورج، وتعليق أنشطة المجلس الثقافي البريطاني في الاتحاد الروسي، محذرة بريطانيا من أنها تحتفظ بحق الرد، في حال تم اتخاذ إجراءات "انتقامية" أخرى غير ودية جديدة تجاه روسيا.
إذًا، في ظل النفي الروسي لمسؤولية اغتيال الجاسوس المزدوج، وعدم توافر أدلة داحضة تؤكد ما ذهبت إليه لندن من مزاعم واتهامات، يبقى الافتعال والتصعيد البريطاني حمَّال أوجه، ولعل الوجه الأول هو أن رفع درجة حرارة التسخين لن يتجاوز حالة الفشل والإخفاق في تمرير المخطط التدميري ضد سوريا بسبب قوة وصلابة الموقف الروسي، والتحول من وضع المهادنة إلى وضع المواجهة.
على أن حادثة اغتيال الجاسوس المزدوج سيرجي سكريبال تشبه ـ في غموضها البريطاني من حيث الحقيقة ـ حادثة اغتيال العالم البريطاني دافيد كيلي خبير أسلحة الدمار الشامل الذي نفى كذبة امتلاك العراق أسلحة دمار شامل أثناء الغزو الأنجلوـ أميركي لبلاد الرافدين، كما أنه من غير المستبعد أن يقوم بعملية اغتيال سكريبال جهاز استخبارات لا روسي ولا بريطاني، وإنما تابع لدولة حليفة لبريطانيا وذلك لتوظيف الاغتيال في حرب دبلوماسية ابتداء، يمكن أن تتطور لاحقًا إلى مجالات وساحات أخرى.

[email protected]