[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
هل ينبغي أن نفهم الحرب الأميركية على العراق، من خلال سرد تفصيلي لوقائعها، التي حصلت في الجبهة العراقية، والاكتفاء بذلك، أم أن ثمة حاجة ملحة، لتناول الأحداث من خلال تطورها، وربط ذلك بالعوامل المؤثرة في تطور الأحداث وتصاعد الموقف، ودراسة دقائق الأمور، من خلال تصور شامل، لما تتصرف به القيادة العراقية، وما تقوله الإدارة الأميركية، وإجراء مقاربات نظرية، لكل ذلك، من خلال ما يجري على أرض الواقع، وقد وجدنا ضرورة لرصد ذلك من خلال النظرة المتفحصة للسياسة الأميركية، التي اتجهت إلى طريقها الجديد، الذي أشرنا إليه في البداية، والذي فرضته المصالح الأميركية العليا، والخط السياسي المتناغم مع الضرورات الملحة، لهيمنة القطب الواحد في السياسة الدولية، بعد أن وجدت الولايات المتحدة، أنها في وضع قلق، نجم عن اختفاء العدو القوي، الذي يعد ضروريا في المنهج الأميركي، الذي يرتكز إلى التحفز الدائم، وتحقيق الطفرات في مختلف المجالات، من خلال اعتماد شعار الخوف، الذي يبقى في درجته القصوى، أي الضوء الأحمر. يضاف إلى ذلك الاستراتيجية الأميركية الكبرى، التي تبحث عن عدو، وتختاره بدقة متناهية، مستندة إلى قناعات ومعطيات تؤكد قدرتها على هزيمته، والانتقال إلى مرحلة أخرى.
ومن المفيد جدا، أن يتذكر المرء باستمرار أن احتلال العراق، ليس الهدف منه العراق لوحده، وأن هذا البلد، هو المفتاح، الذي يفضي إلى تحقيق الأهداف الأميركية الكبرى، التي تناقشها الدوائر العليا في البيت الأبيض والبنتاجون، وشغلت حيزا واسعا من طروحات ومناقشات المفكرين الأميركيين، وإذا تطرقنا إلى الحرب الأميركية على العراق، من زاوية واحدة، فإننا لن نفهم مجريات الأمور، وبالتالي سنخضع إلى الاجتزاء في التفكير، الذي يفضي إلى قصور في الرؤية، ويخلص إلى ضبابية متموجه، لن تستقر.
أما إذا أردنا أن نضع تصورا نظريا، يمكن الاستناد إليه، فيمكننا الاسترشاد بمقطع مؤثر للكاتب الشهير لويس بورخيس، من قصيدته (فجر عديم الجدوى) يقول فيه (أنا أحاول أن أخدعك بأشياء مجهولة، بالخطر والإحباط). وإن جاء هذا الوصف بلغة شعرية، لكنه يعبر عن جوهر العقلية الأميركية، التي اشتغلت لسنوات طويلة، على تأسيس استراتيجية ما بعد الحرب الباردة، والتي أرادوها أن تكون انطلاقتها مع الألفية الثالثة، التي انشغلت بقدومها وسائل الإعلام في العالم، بتأثير مباشر من الانشغال المفرط لوسائل الإعلام الأميركية بها، لدرجة أن الكثيرين، اضطروا للتساؤل عن هذا الاهتمام الواسع بقدوم الألفية الثالثة، التي تمثل امتدادا زمانيا طبيعيا للأمس، الذي ارتبط بالألفية الثانية، ولكن الذي يدقق في تلك الضجة، التي صاحبت المرحلة الانتقالية بين الألفية الثانية والثالثة، يستطيع أن يتبين، أن الأميركيين، أرادوها أن تكون الألفية الأميركية، بعد أن انهوا القرن الأخير بانتصارات رمزية كبيرة، تمثلت بانهيار الاتحاد السوفيتي، وبوضع الخطط الكفيلة بعسكرة الفضاء، وفرض هيمنة شبه مطلقة على وسائل الاتصال، من خلال شبكة المعلومات الدولية (الانترنت)، وفوق كل ذلك، ما يرشح من آراء وأفكار وسلوكيات دولية، تؤكد وقوعها تحت الهيمنة الأميركية، وعدم وجود مؤشرات، تدلل على رفض لتلك الهيمنة، وبهذا فقد اكتملت الصورة، في داخل العقلية الأميركية، التي دفعتها لرسم لوحة الألفية الثالثة، وهي مجللة بالعلم الأميركي، ومحاطة بقوات المارينز، الذين سيسيطرون على المعمورة.
والسؤال إلى أي مدى كانت تلك القناعات دقيقة وماذا حصل بعد الاحتلال من تداعيات؟