من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم
القارئ الكريم تحدثنا في اللقاء السابق عن حفظ العبد لربه وبينا بأن يكون الحفظ بالجوارح كلها بالبطن واللسان والسمع والنظر والفرج من الحرام وأن يتقي الله في جوارحه حتى يفوز بسعادة الدارين في الدنيا والآخرة نكمل الحديث عن حفظ الله لعبده وهذا يعني أن من حفظ حدود الله وراعى حقوقه حفظه الله فإن الجزاء من جنس العمل
وحفظ الله عبده نوعان: الأول أن يحفظ الله عليه دنياه والثاني أن يحفظ الله عليه دينه فكيف يحفظ الله لعبده دنياه؟
بأن يحفظه في صحته وقوته وعقله وماله وأهله وولده فكيف ذلك؟ حفظ العقل قال بعض السلف العالم لا يحزن وقال بعضهم من حفظ القرآن مُتِّع بعقله وتأول ذلك بعضهم على قول الله تعالى ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ) التين 4 5 6
ويحفظ صحته وقوته: أبو الطيب الطبري كان قاضيا جليلا ورعا توفي عن مائة وستين عام وهو متمتع بصحته وعقله وقوته مع كبر سنه لم يختل عقله ولا تغير فهمه وكان يفتي مع الفقهاء ويستدرك عليهم الخطاء ويقضي ويشهد ويحضر المواكب إلى أن مات وكان راكبا سفينة يوما فوثب من فوقها إلى الأرض وثبتا شديدة فعوتب على ذلك فقال هذه جوارح حفظنها في الصغر فحفظها اللهُ علينا في الكبر
ويحفظ ولده وأهله: وقد يحفظ الله العبد بصلاحه في ولده وولد ولده فالابن يحفظه الله بصلاح أبيه فقد قال محمد بن المنكدر إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده وقريته التي فيها والدويرات التي حوله فما يزالون في حفظ الله وستره وقال سعيد بن المسيب لابنه يا بني إني لأزيد في صلاتي من أجلك رجاء أن أُحفظ فيك وكان هناك رجل يقال له حاتم الأصم نوى حج بيت الله الحرام فجمع أولاده قال لهم أنه نوى الحج فقالوا له ولمن تتركنا؟ ومن الذي يسعى وراء لقمة عيشنا؟ وكانت له بنت تقيه قالت له يا أبت أذهب فإنك لست برازق فجمع حاتم متاعه وحمله على ظهره وخرج مسافرا إلى بيت الله الحرام وبعد أيام قليلة من سفره نفد الزاد وانتهى الطعام من البيت فاجتمع الأولاد على هذه البنت التقية وقالوا لها اذهبي فأتي لنا بطعام ... فدخلت هذه البت حجرتها ورفعت أكف الضراعة إلى مولاها وسألت ربها فقالت اللهم لا تخزني بين هؤلاء فسمع الله ندائها وستجاب لها دعائها فإذا بأمير البلدة يمر ليتفقد أحوال الرعية فأحس بعطش شديد أمام بيت حاتم الأصم فقال لمن حوله من العسكر والجنون اسقوني فطرقوا الباب فخرجت البنت التقية بإناء فيه ماء بارد فلما شرب الأمير سأل وقال بيت من هذا؟ قالوا بيت حاتم الأصم قال الرجل الصالح قالوا نعم قال أين هو لنسلم عليه قالوا خرج لحج بيت الله الحرام فقال الأمير حقا علينا أن نكرم أهله في غيبته فأخرج كيسا من النقود وكانت ذهبا وألقاه في البيت ولكن الله تعالى أراد أن يزداد وأكثر من ذلك فقال الأمير لمن خلفه من العسكر والجنود من أحبني فليصنع صنيعي ففعلوا مثله أخرج كل واحدا منهم كيسا من النقود وألقاه في البيت حتى كاد البيت أن يمتلئ ذهبا فدخلت البنت التقية إلى البيت وهي تبكي فقال لها أخواتها ما يبكيك وقد اغتنينا فقالت البنت التقية بلسان اليقين ومنطق الحق المبين اغتنينا حين نظر أحد الخلق إلينا فكيف بنا إذا نظر الخالق الرزاق إلينا
ويحفظ ماله: جاء مسند الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كانت امرأة في بيت فخرجت في سرية من المسلمين وتركت ثنتي عشرة عنزا وصيصيتها كانت تنسج بها قال: ففقدت عنزا لها وصيصيتها، فقالت: يا رب إنك قد ضمنت لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه وإني قد فقدت عنزا من غنمي وصيصيتي وإني أنشدك عنزي وصيصيتي ) قال: وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم يذكر شدة مناشدتها ربها تبارك وتعالى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فأصبحت عنزها ومثلها وصيصيتها ومثلها ) والصيصية: هي الصنارة التي يغزل بها وينسج فمن حفظ الله حفظه الله من كل أذى قال بعض السلف: من اتقى الله فقد حفظ نفسه ومن ضيع تقواه فقد ضيع نفسه والله الغني عنه
حفظ الله لمن حفظه أن يجعل الحيوانات المؤذية بالطبع حافظة له من الأذى كما جرى لسفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كسر به المركب وخرج إلى جزيرة فرأى الأسد فجعل يمشي معه حتى دله على الطريق فلما أوقفه عليها جعل يهمهم كأنه يودعه ثم رجع عنه
اللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن الكريم الذي رفعت مكانه وأيدت سلطانه ووضحت برهانه آآآمين والله الموفق لما فيه الخير والرشاد.

إبراهيم عبد العزيز محمد فرج
إمام وخطيب جامع خالد بن الوليد ـ حلة السدر ـ السيب