[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/alibadwan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي بدوان[/author]
”لبنان متمسك بحقوقه ومواقفه، فوقّع في التاسع من شباط/فبراير 2018، عقدا مع تحالف شركات دولية هي (توتال) الفرنسية، و(ايني) الإيطالية، و(نوفاتيك) الروسية للتنقيب عن النفط والغاز في الرقعتين 4 و9 في مياهه الإقليمية. وسيجري التنقيب في الرقعة 9 بمحاذاة جزء صغير متنازع عليه بين لبنان ودولة الاحتلال، ولن تشمله أعمال التنقيب.”

دولة الاحتلال "الإسرائيلي" تنتهك سيادة لبنان على الأرض بشكل يومي. ذلك أن "الخط الأزرق" الذي حددته الأمم المتحدة في العام 2000 م، بعد انسحاب جيش الاحتلال من جنوب لبنان، يُحددّ أين يقع لبنان وأين تقع فلسطين المحتلة. لكنه في المقابل، لم يتم الاتفاق أبدا على الحدود البحرية، ولم يتم تحديد موقع تلك الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، ولم يتمكن فريق الأمم المتحدة، الذي حصل على تفويض بترسيم الحدود في العام المذكور أعلاه، من اتخاذ قرار بشأن الحدود البحرية، وتَرَكَ القضية مفتوحة، وهو ماجعل الموضوع سهلا على دولة الاحتلال التي ترسم الحدود كما تُريد وكما ترى مصالحها، خاصة بعد الإكتشافات المُتتالية للنفط والغاز على شواطئ بلدان المشرق العربي وحوض المتوسط، حيث تُقَدّر مساحة المنطقة البحرية، التي تحتوي على الثروات النفطية والغاز، بحوالي 860 كيلومترا مربعا.
ومن المعروف أنَّ هناك ثلاث طرق مُمكنة لترسيم الحدود البحرية بين الدول في العالم، وتلك التي رغب لبنان بتبنيها، والتي تقوم على أساس استمرار خط الحدود البرية. وبما أنه في الجزء الأخير من المقطع البري في منطقة رأس الناقورة، تتجه الحدود غربا، (السمت 271)، فقد طلب لبنان من الأمم المتحدة في عام 2000م، بأن يتم ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة وفقا لهذا الخط. لكن دولة الاحتلال اعتمدت طريقة ثانية، تعتبر فيها أن خط الحدود البحرية هو خط عامودي (90 درجة) للخط الساحلي. وبما أن الخط الساحلي على جانبي رأس الناقورة، هو خط مائل، فإنه وفقا لهذا النهج، تتجه الحدود البحرية نحو الشمال الغربي (السمت 291). وهكذا ينشأ بين الخط الذي يُطالب به لبنان والخط الذي تُطالب به دولة الاحتلال، مثلث يتسع كلما ابتعد في الاتجاه الغربي، وعليه إنَّ دولة الاحتلال من جانبها، ومنذ اليوم الأول، ستتصرف بشأن الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة وفقا لتفسيرها.
الطرف اللبناني، منتبه جدا للمناورات "الإسرائيلية"، وأعلن عشرات المرات تمسكه بحقوقه الكاملة في الحوض البحري، وقد قال رئيس اللجنة الطاقة والبترول والمياه في مجلس النواب اللبناني النائب محمد قباني "أبلغنا الأمم المتحدة في 19 أكتوبر ـ تشرين الأول 2010 بحدودنا البحرية، وبالتالي هذا يؤكد أنَّ هذا الأمر سابق لتوقيع اتفاق بين قبرص والعدو الإسرائيلي". وأضاف "أود تأكيده اليوم هو أنَّ لبنان لن يَقبَلَ بأي بنود تفرض عليه في موضوع الحدود البحرية وحقوقه النفطية، لا حدود فنية، ولا حدود تجارية، وطبعا لا حدود سياسية، وهناك دراسة قانونية وفنية تُظهر أنَّ حدودنا الجنوبية في مياهنا تدخل فيها هذه المنطقة التي يسميها العدو حقل كاريش".
لبنان متمسك بحقوقه ومواقفه، فوقّع في التاسع من شباط ـ فبراير 2018، عقدا مع تحالف شركات دولية هي (توتال) الفرنسية، و(ايني) الإيطالية، و(نوفاتيك) الروسية للتنقيب عن النفط والغاز في الرقعتين 4 و9 في مياهه الإقليمية. وسيجري التنقيب في الرقعة 9 بمحاذاة جزء صغير متنازع عليه بين لبنان ودولة الاحتلال، ولن تشمله أعمال التنقيب. ويُشكل هذا الجزء ثمانية في المئة من الرقعة 9، وفق شركة (توتال) الفرنسية.
وفي ظل هذا التسخين المتعمد "إسرائيليا"، تحاول الولايات المتحدة لعب دور ما بين لبنان و"إسرائيل" في ملفي الحدود البحرية والبرية. لكن الطرف "الإسرائيلي" ما زال يراوغ، فوزير الطاقة "الإسرائيلي" يوفال شتاينتز وفي لقائه مع مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد، واصل ادعاءات دولة الاحتلال بشأن ملكية حقوق منطقة بحرية. في محاولة لردع الشركات الأجنبية عن الدخول في المناقصات، وكان وزير الحرب "الإسرائيلي" أفيجدور ليبرمان صرح في وقت سابق "أنَّ الرقعة 9 مُلك لإسرائيل" وهو أمر رفضه المسؤولون اللبنانيون، مُشددين على أحقية لبنان بكامل الرقعة.
وفي كلمة ألقاها أفيجدور ليبرمان وزير حرب جيش الاحتلال، خلال افتتاح المؤتمر السنوي الحادي عشر لمعهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، أشار إلى أنه "عندما نتحدث عن الجبهة الشمالية لإسرائيل فإننا نتحدث عن سوريا أيضا، إنها ليست لبنان فقط"، مضيفا بأنه "إذا اندلع الصراع في الشمال، يجب أن لا نسمح بالصور مثل عام 2006، حيث رأينا مواطنين في بيروت على الشاطئ بينما جلس الإسرائيليون في تل أبيب في الملاجئ، الجميع يدرك أن الجبهة الداخلية الإسرائيلية هي التحدي الأكبر الذي سنواجهه في الحرب المقبلة".
إنَّ قضية النفط والغاز، والحوض البحري الغني بهما، بين لبنان وفلسطين المحتلة، دفعا مصادر القرار في دولة الاحتلال للتسخين "الإسرائيلي"، السياسي، بل والعسكري مع لبنان عبر التهديد اليومي. فقد كتب رجل الأمن والاستخبارات في دولة الاحتلال جيورا أيلاند، في صحيفة "يديعوت أحرونوت"22/2/2018، قائلا "إن السبب الرئيسي للصراع الحالي مع لبنان هو ليس الحدود البرية فقط ... فالقضية الرئيسية هي الحدود البحرية أيضا".
وفي تقدير مصادر رفيعة في "الجيش الإسرائيلي، وفي المؤسسة الأمنية لدولة الاحتلال "إنَّ تهديد منصات الغاز الإسرائيلية من أطراف لبنانية ليس مجرد كلام فقط". وبحسب قائد سلاح البحر، اللواء إيلي شربيط فإن سلاح البحرية "الإسرائيلي" قد نشر في الفترة الأخيرة منظومة القبة الحديدية فوق سفن ساعر 5، التي تقوم بحماية منصات الغاز في البحر، وسوف تنضم أربع سفن جديدة من طراز ساعر 6 في 2019. وفي 7 من شباط ـ فبراير 2018، أفصحت مصادر "إسرائيلية" عن اتفاق مع ألمانيا لبناء سفن حربية سريعة مخصصة للبحرية "الإسرائيلية" من أجل ما أسمته "حماية منصات الغاز والمنشآت الاقتصادية في المياه الإسرائيلية". ويتوقع أن تبدأ سفن "ساعر 6" الحربية العمل بين أعوام 2020 و2022، وستزود بمهابط للطائرات المروحية وصواريخ متقدمة. وكتب موقع البحرية "الإسرائيلية" أنَّ "الأولوية هي حماية الأصول الاقتصادية الاستراتيجية في المياه الإسرائيلية.
وبالنتيجة، نحن الآن أمام معركة "إسرائيلية" مع لبنان، لكن هذه المرة من أجل الاستحواذ على مساحات بحرية في إطار حدود لبنان في مياه البحر الأبيض المتوسط، وكل ذلك طمعا في الثروات الغازية والنفطية التي تستبطنها تلك المنطقة من الحوض البحري.