[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
إن أهم مولدات نجاح بوتين إنما تقبع في شبه "جزيرة القرم" ذلك الجزء التاريخي من روسيا، والذي تنازلت موسكو عنه لصالح أوكرانيا على سنوات حكم ستالين. وإذا لم يجرؤ أي من قادة الكرملين الشيوعيين السابقين على إعادة "القرم" لروسيا، لأسباب عدة، إلا أن بوتين قد فعلها بنجاح على نحو خاطف، بينما بقي العالم الغربي يستنكر ويندد لسنوات دون جدوى.

على الرغم من عدم استغراب المراقبين فوز "الرئيس فلادمير بوتين" بولاية رابعة، رغم دعاوي التلاعب بالانتخابات والتزوير، ناهيك عن الاتهامات التي تفيد بقمع المعارضين والقوى المناهضة هناك بعامة، إلا أن وضع فوز الرئيس بوتين في سياق تاريخي وعالمي، يبرز على رأسه انتخاب الرئيس الصيني، رئيسا مدى الحياة، يبدو الأمر أقرب للمحتمل، بل وللمقبول عامة.
كما أن فوز الرئيس بوتين لمرة أخرى لا بد أن يرتكن إلى مجموعة عوامل ومولدات ساعدت أن ترقى إلى المرتبة الأولى في إرادات المنتخبين من بين سواها من هذه العوامل، ناهيك عن ضغط دور المراقبين الأجانب على دقة هذه الانتخابات.
بحسب تقديري، فإن للمرء أن يزعم بأن بوتين قد أمسك بدفة القيادة الروسية بناءً على عدة عوامل مهمة ساعدته على البقاء والتواصل، ومن أهم هذه العوامل: (1) صعود روح الوطنية الروسية، وأقصد بذلك الشعور القومي بين الروس بالوطنية والتمسك بمبدأ "المواطنة الروسية"، بعيدا عما جرى هناك لعقود تحت نير الحكم الشيوعي "الأممي"، بمعنى تفضيل "الاشتراكية الأممية" التي وضع فلاديمير ألتش لينين دعائمها بعد ثورة أكتوبر البلشفية، الأمر الذي لم يكن ممكنا لولا كسوف المشاعر القومية، مقارنة بالمشاعر الاشتراكية الأممية التي وصلت أعلى مستوى لها إبان الحرب العالمية الثانية تحت ظل حكم "جوزيف ستالين".
(2) التشبث بالتفوق الروسي وبمنافسة العالم الرأسمالي باعتبار أن دولة "الاتحاد الروسي" إنما هي دولة عظمى لا تقل شأنا وأهمية عن أية دولة عظمى. ويدل الدور الذي تتوخاه روسيا في الشرق الأوسط اليوم (في سوريا، خاصة) على ذات التمسك الروسي بدور دولي يليق بموسكو. وهذا، بدقة، هو ما تحاول دول أخرى، كإيران وتركيا، أن تشجعه إما نكاية بواشنطن، أو جريا وراء شيء من التوازن الدولي الذي يذكر المرء بالحرب الباردة.
(3) إن أهم مولدات نجاح بوتين إنما تقبع في شبه "جزيرة القرم" ذلك الجزء التاريخي من روسيا، والذي تنازلت موسكو عنه لصالح أوكرانيا على سنوات حكم ستالين. وإذا لم يجرؤ أي من قادة الكرملين الشيوعيين السابقين على إعادة "القرم" لروسيا، لأسباب عدة، إلا أن بوتين قد فعلها بنجاح على نحو خاطف، بينما بقي العالم الغربي يستنكر ويندد لسنوات دون جدوى. بل إن أحدا لا يجرؤ حتى على طلب الانسحاب من روسيا، خشية اجتياح أراضٍ إضافية من أوكرانيا في أية لحظة. كل ما فعلته واشنطن لا يتجاوز بضعة قرارات لفرض عقوبات اقتصادية أشبه ما تكون بأثر لسعة ناموسة على جلد بعير! وبطبيعة الحال، يعد الروس، شعبا وحكومة، إعادة القرم للأراضي الروسية خطوة جبارة دلت على بقاء وتواصل هيبة روسيا دوليا. زد على ذلك عزف الرئيس بوتين على الوتر القومي أو الوطني عامة.
(4) أما أهم عوامل بقاء هذا الرجل المهم قاطبة، فإنه يتلخص في دوره القوي، ضاغطا على الولايات المتحدة ومبددا لأسطورة "القطب الواحد" الذي تمتعت به واشنطن منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق حتى السنوات القليلة الماضية. ودليل ذلك لم يزل ماثلا في واشنطن ذاتها، إذ إن تحقيقات "لجنة مولر" Mueller Committee الشهيرة والخطيرة، في تفاصيل عبث الروس وأجهزتهم الاستخبارية بالانتخابات الرئاسية السابقة التي حملت "الرئيس ترامب" إلى البيت الأبيض إنما تشكل خير دليل على عدم الاكتفاء بدور روسي دولي محدود، بل هي تدل على التشبث بدور روسي فاعل قد لا يقل تأثيرا على شؤون العالم عن دور موسكو أثناء حقبة الحرب الباردة!
إن هذا الفوز الأخير لبوتين إنما يضع أمامنا بضعة أسئلة مهمة للغاية، ومنها: هل سيعيد "الرئيس بوتين" الحياة للحرب الباردة تشبثا بدوره السابق كرئيس للمخابرات الروسية أثناء تلك الحقبة الاشتراكية؟ وهل سيعيد بوتين التوازن الدولي الذي قاد اختلاله إلى دور أميركي ـ غربي فائق الانفلات للأسف؟