[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
يزينون رؤوسنا بأعياد تبدو للفرح فنراها نحن العرب مأساوية .. هي جرعات للتمويه على حقائق عربية صادمة كنا نتمنى لو أنها في غير هذ الزمن الفاجعي.
أن يحتفل بعيد للأم، فأية أم عربية لم تخسر ولم تبك ولم تنتحب ولم تجن من فرط مآسيها .. ثم عيد الطفل، وأي طفل عربي تركوه لنا وهو يرتعد من فرط ما رأى وسمع ولمس .. ثم عيد المعلم الذي لم يعد يعرف أي دور له، هل هو مسعف أم ممرض أم طبيب طارئ أم...؟
لله در أمهاتنا العربيات وقد أصبحن من فرط البكاء والحزن على الوطن والأبناء والممتلكات بحجم دمعة. منذ زمن بعيد والأم العربية ولدت من دموع أمهاتهن، ولم يتوفر لهن زمن متغير، فأنتجن جيلا محكوما بالألم. من منا يتذكر الأم الفلسطينية التي تاهت في البراري إبان النكبة الكبرى وهي تحمي أطفالها أو تكون مثل تلك المرأة في رواية غسان كنفاني التي نسيت طفلها وعندما رأته فتى كان قد شرب من حليب التربية اليهودية.
ثم هاهي الأم السورية لو قدر لها أن تروي لقالت ما يمكن أن يبكي الصخر. ومثلها الأم العراقية الملهوفة، ومعها اليمنية التي لم تعد تعرف كم ستبكي أيضا، ولا ننسى الأم الليبية والمصرية وقبلهن جميعا اللبنانية التي سبقتهن إلى تمجيد الدمعة وتخليدها.
وهذا الطفل العربي الذي ولد إما في منافي التعذيب أو على وقع النار والقذائف والصراخ المحيط به والعويل المسموع من بيت الجيران والأقارب .. يصنعون عيدا للطفل العربي وهو الأشقى بين أطفال المعمورة وهو المهان والذليل منذ ما قبل أن ينطق اسمه. هكذا يريدونه أو الأجمل بالنسبة إليهم أن يكون ميتا كي لا يصبح مقاتلا عند كبره أو عبقريا يخدم بلاده فيأملون سرقة مواهبه قبل أن يقوى عوده.
وهذا المعلم الذي نسي دوره من شدة المآسي التي عاشها ولفحته بوهجها، من أين له أن يحتفل بعيده، أو يرسم منهاجا لكلامه سوى أنه عاش المحن وتربى على الألم وعاش مجتمعاته في يوميات أخرجت من رأسه كل ما تعلمه أو استعد ليكون مربي أجيال جديدة.
أية أعياد تركوا لنا بعد أن غمرونا بتخريب أعمارنا وأطفالنا ونسائنا وبيوتنا وعقولنا وبعد أن أخذوا منا طلتنا على المستقبل. وها هو عيد الفطر قادم بينما الفجيعة العربية ينام في حضنها كل العرب من كان وسط النار أو قريب منها أو بعيد عنها .. ثم يتلوه عيد الأضخى فإذا جميعنا ضحايا، بل خراف جاهزة للذبح على موائد اللئام.
نسينا تعداد السنين من شدة الإحساس بكوننا ضحايا متكررين مرة نحب أوطاننا ومرة نخاف منها .. هي مرة تحضننا ومرة تقتلنا وأخرى لا نعرف متى نتوه في المنافي لنفتش عن أقرب موقع للراحة، ثم يتحول إلى مسقط رأس لأطفال ننتجهم. أوقفوا إنتاج أطفال كي لا يعيشوا التوهان، والحلم الوطني وسط خيمة يدخلها المطر شتاء والشمس الحارقة صيفا.
ألغوا أعيادا لا قيمة معنوية لها سوى أنها تذكار لحلم صار وراءنا، ولسوف يكون أمامنا على شكل دمعة وسكين وبندقية وثياب ميدان وصدى لصراخ ما زال الجو يختزنه. الأم والطفل والمعلم والرجل مشروع عذاب مستمر ليس له قرار. تولد أطفال العالم كي تعيش مراحلها، ويولد أطفالنا كي يكونوا مخزون الشقاء الأبدي.