إن ما تشهده المنطقة بصفة عامة أو فلسطين والدول الداعمة لشعبها ولمقاومتها بصفة خاصة من عدوان وإرهاب وتآمر وتدمير لا يخدم سوى طرف واحد أوحد، وهو كيان الاحتلال الإسرائيلي وحلفاؤه الاستراتيجيون.
لقد استمرأ المحتل الإسرائيلي وحلفاؤه وداعموه إثارة الفوضى والخلافات والفتن ونوازع الشقاق والتحريض، لأهداف بدت واضحة ولا تخطئها عين كل متابع ومراقب لما يدور على ساحات المنطقة من إرهاب وإجرام، وتدمير وتشاحن بين مختلف مكونات المجتمعات العربية المستهدفة بالتمزيق؛ لأن هذه المظاهر الإرهابية والإجرامية، ومظاهر الفتن باتت هي الورقة الرابحة لكسب معركة البقاء والاحتلال والاستعمار بالنسبة لكيان الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه الاستراتيجيين، بعدما فشلت العسكرة والقوة الغاشمة في تحقيق الأهداف الاستعمارية والأحلام التلمودية.
ووفقًا لهذا المنظور، فقد أعطت تجربة إحداث الشقاق والانقسام بين حركتي فتح وحماس في فلسطين المحتلة نتائج متعددة ومهمة على صعيد تحقيق ما يخطط له العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني وقضيته، فقد كان ولا يزال النجاح في ضرب المكون الاجتماعي الفلسطيني الذي كان يتميز بالوحدة في الموقف والصف ومقاومة المحتل، باهرًا بالنسبة للعدو الإسرائيلي، حيث تحوَّل هذا الانقسام إلى ما يشبه الدجاجة التي تبيض ذهبًا، حيث استطاع إنجاز مخططات ونهب والتهام وتهويد أراضٍ واسعة جدًّا مما تبقى من أرض فلسطين المحتلة، ومن يتابع حجم ما التهمه المحتل الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية قبل الانقسام وبعده سيلحظ حقيقة ما وفره هذا الانقسام من جهد ووقت لكيان الاحتلال الإسرائيلي لم يستطع تحقيقه قبل الانقسام وأثناء وحدة المكونات للشعب الفلسطيني.
ومن المؤكد أن كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي تمكن من أن يجني ثمار ما بذره من بذور الانقسام بين أهم فصيلين من فصائل الشعب الفلسطيني ونعني به هنا "حركة فتح وحركة حماس"، لن يسره عودة الوحدة الفلسطينية، وسيبذل كل جهد ممكن ـ وهذا ما يقوم به فعلًا ـ لإفشال المصالحة بين الحركتين والتي رعتها القاهرة، تم بموجبها توقيع اتفاق تتسلم وفقه السلطة الفلسطينية المؤسسات في قطاع غزة وإدارتها بما فيها المعابر، لذا أي عمل يدخل في إطار إفشال هذه المصالحة وعدم إتمامها ومحاولة إرجاع الفلسطينيين إلى المربع الأول من الانقسام، لن يكون فيه العدو الإسرائيلي بريئًا، بل هو في صلبه، لأنه يعلم أنه سيكون المتضرر الأول، فحين يستفرد بكل طرف من الأطراف الفلسطينية يختلف في النتائج عن مواجهته لجميع الفلسطينيين موحدين في الصف والكلمة والموقف.
وأمام ما يجري من حملات إعلامية بين حركتي فتح وحماس على خلفية محاولة اغتيال رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمدالله أثناء زيارته لقطاع غزة، لن يخدم القضية الفلسطينية، بل سيخدم عدو القضية الذي يعمل على تسريع إنجاز تصفيتها وفي أقرب ممكن، لذلك مطلوب من قيادات فتح وحماس إعادة النظر في هذا الجانب، والتوقف عن حملاتهم الإعلامية المتبادلة، وتكريس جهدهم ووقتهم لصالح القضية بدلًا من هدرها فيما لا طائل من ورائه سوى تعميق الانقسام وتضييع الحقوق المسلوبة، وتمكين العدو الإسرائيلي من الإجهاز على ما تبقى، ويحقق مشروعه التصفوي.