موجز في تقسيم الامبراطورية العمانية

يعتبر موضوع تقسيم الامبراطورية العمانية عام 1861 من أهم المواضيع في تاريخ عمان الحديث، ومن أكثرها ألما وحزنا في تاريخ هذا الوطن العزيز، لأنه ترتب عليه بشكل نهائي انفصال زنجبار عن مسقط، مما يعني تفكك هذه الامبراطورية التي سهر من أجل خدمتها حكام وأئمة عمان عبر دول مختلفة من تاريخ عمان المجيد.
وكان من عادة السيد سعيد بن سلطان أن ينوب ابنه ماجد في حكم زنجبار أثناء خروجه منها إلى مسقط، بينما كان يعين ابنه ثويني نائبا عنه في حكم مسقط والممتلكات الآسيوية أثناء تواجده في زنجبار والشرق الأفريقي.
ومنذ وفاة السيد سعيد في 19 أكتوبر 1856م بالقرب من جزيرة سيشيل في المحيط الهندي أثناء رحلته من مسقط إلى زنجبار، بدأت ملامح هذا الانفصال تلوح في الأفق نتيجة الخلاف الذي وقع بين أبناءه الأربعة، ثويني وماجد وتركي وبرغش.
ففي مسقط والشق الآسيوي وقع خلاف بين ثويني وتركي تطور إلى حد الصدامات العسكرية بين الطرفين خاصة في صحار وساحل الباطنة، ووجدت محاولات للصلح بين الأخوين من قبل السلطات البريطانية وكذلك من قبل شيوخ امارات ساحل عمان، إلى تم الاتفاق على صلح بينهما، وهو الصلح الذي بذل فيه ابن عمهما محمد بن سالم بن سلطان جهود كثيرة نحو تحقيق، والتسوية بين الأخوين، وكان مما نص عليه هذا الصلح أن تبقى صحار وليوا في إطارة سلطة السيد تركي، وفي المقابل يكون تركي مواليا للسيد ثويني، وأن يتلقى تركي راتبا شهريا قدر بـ 300 دولار من خزينة السيد ثويني.
أما في يتعلق بالممالك الأفريقية فقد بدأ الخلاف منذ وصول جثمان السيد سعيد بن سلطان، الذي كان يرافقه في رحلته الأخيرة ابنه برغش، والذي بيت النية بهدف الوصول إلى سدة الحكم الأفريقي، ولذلك عمد إلى دفن والده فور وصوله دون انتظار بقية أخوته، حتى يتفرغ للخطوة التالية المتمثلة في السيطرة على مؤسسات الحكم في زنجبار.
غير أن ملامح الخلاف بين الأخوين ماجد وبرغش بدأت تتبلور بشكل علني عندما طالب برغش بحكم ممباسا، ولكن ماجد رفض ذلك بقوة، وبالتالي كانت كل المؤشرات تتجه إلى التصاعد بين الأخوين، وهو الخلاف الذي سيفضي في النهاية إلى نفي برغش إلى الهند ومكوثه فيها حتى وفاة أخيه ماجد عام 1870م ومن ثم رجوعه إلى زنجبار ليتولى الحكم فيها، ويستمر كذلك حتى وفاته عام 1888م.
لكن أخطر الخلافات ما بين أبناء السيد سعيد هو الخلاف بين ثويني وماجد، ويتخلص هذا الخلاف بينهما في رغبة ماجد بالانفصال بشكل نهائي بزنجبار عن الامبراطورية العمانية، واستقلالها التام عن مسقط، وهذا ما كان يعارضه السيد ثويني بقوة، رغبة منه في المحافظة على وحدة الامبراطورية وقوة الدولة، ولأنه كان يرى بأنه الأحق في وراثة العرش بعد وفاة والده، وهو ما أثبتته التقارير البريطانية أثناء المفاوضات بين الطرفين، وتم تداول ذلك في أروقة الحكومة البريطانية في الهند، ولكن لأن مصالحها كانت تقتضي تقسيم هذه الدولة، فقد غضت النظر عن موضوع أحقية السيد ثويني، وانحازت إلى خيار التقسيم.
ولأن السيد ماجد أصر على موقفه المتمثل في المضي بزنجبار والشرق الأفريقي نحو الانفصال، فقد دفع ذلك بالسيد ثويني إلى أن يجهز حملة بحرية عسكرية عام 1858م بهدف إخضاع ماجد وزنجبار، ورغبة منه أيضا في استئناف المعونة السنوية التي تم الاتفاق عليها بين الأخوين بعد وفاة والدهما، والتي تتضمن قيام زنجبار بدفع 40 ألف ريال نمساوي إلى مسقط، كتعزيز لمواردها المالية، بحكم أن اقتصاد زنجبار كان هو الأقوى في تلك الفترة.
وبالفعل خرجت هذه الحملة من مسقط، بتاريخ 11 فبراير 1858م تضم أكثر من 2500 رجل وعدد من السفن بمختلف أنواعها، ولكن الحكومة البريطانية تدخلت وأوقفت هذه الحملة بالقرب من صور، بتاريخ 15 فبراير 1859م واقترحت على الأخوين التحكيم، برعاية الحاكم البريطاني للهند اللورد كاننج، فوافق السيد ثويني مكرها على ذلك، وعاد بالحملة إلى مسقط، وقال قولته المشهورة: "إني أضع السكين في يد سعادة الحاكم العام وأقدم نفسي عظما".
وعليه بدأت بريطانيا في محاولة للصلح بين الأخوين حسب ظاهر الفعل، بينما كانت تدرك في حقيقة نفسها بأن مصلحتها مع انقسام هذه الدولة وتفتيت قوتها العسكرية حفاظا على مصالحها الاستعمارية في الهند وفي منطقة الخليج، لأن أكثر ما كانت تخشاه الحكومة البريطانية سواء في لندن أو في الهند، هو محاولة عقد تحالفات أجنبية مع عمان، وبالتالي الاستفادة من مقوماتها الجغرافية والعسكرية، مما يعني ذلك تأثيرا واضحا على المصالح البريطانية.
وبدأت البعثات البريطانية منذ عام 1859 في رحلات ما بين مسقط وزنجبار لتقصي الحقائق التي يجب الاتفاق عليها وبالتالي تقديمها إلى مقر الحكومة في الهند لإصدار قرارها النهائي في مصير هذه الدولة وتم تعيين العميد كوجلان مفوضا من قبل الحكومة البريطانية في موضوع الخلاف بين الأخوين أو بين الشقين من الامبراطورية العمانية. ومكث الوفد البريطاني في مسقط تسعة أيام من أجل التحقيق في الخلافات بين أبناء السيد سعيد، سواء بين ثويني وتركي أو بين ثويني وماجد. وفي نهاية سبتمبر من عام 1860 وصلت البعثة البريطانية إلى زنجبار للقيام بنفس المهام التي اضطلعت بها في مسقط.
وعندما اختتمت هذه التحقيقات كانت تميل في مضمونها مثلما أشرت سابقا إلى تأكيد أحقية السيد ثويني في خلافة والده ليس فقط على مسقط والممتلكات الآسيوية وإنما على سائر مناطق الإمبراطورية العمانية، ولكن أيضا مثلما تم الإشارة إليه بأن مصلحة بريطانيا كانت في صالح التقسيم، وهذا ما حدث بالفعل في نهاية هذا الموضوع، عندما صدر التحكيم المعروف بتحكيم اللورد كاننج في فبراير من عام 1861، والذي نص على هذه البنود:
أولا: يتم اعلان السيد ماجد حاكما على زنجبار والممتلكات الإفريقية خلفا للسيد سعيد بن سلطان.
ثانيا: يدفع السيد ماجد حاكم زنجبار للسيد ثويني حاكم مسقط معونة مالية سنوية قدرها أربعون ألف كراون ( ريال نمساوي ).
ثالثا: يدفع حاكم زنجبار إلى حكام مسقط متأخرات المعونة السنوية عن السنوات السابقة والتي بلغت قيمتها ثمانين ألف كراون.
رابعا: أن لا يتدخل حكام أو قبائل عمان في شؤون زنجبار والشرق الأفريقي .
لينتهي مع هذا التحكيم قصة الامبراطورية العمانية وتدفن وحدتها للأبد، وقد أثر هذا التقسيم كثيرا على مسقط من النواحي الاقتصادية وتدهورت تجارة عمان التقليدية مع زنجبار التي كانت قائمة منذ عصور قديمة، وعمد السيد ماجد إلى تضييق الخناق على التجارة مع مسقط وعلى السفن القادمة من عمان ومنطقة الخليج، فانخفض الدخل المادي لمسقط وللعمانيين وانعدمت الكثير من الفرص الاقتصادية.
كما أدى هذا الحادث إلى تقسيم القوة العسكرية التي كانت تتمتع بها عمان، وبالتالي تضاؤل ضخامتها وقوتها في مسقط، خاصة بالنسبة للقوة البحرية التي كان الأسطول البحري العماني يحتل المرتبة الثانية بعد الأسطول البريطاني في عهد السيد سعيد بن سلطان، كما عملت زنجبار على احتضان المعارضين السياسيين للحكومة العمانية، بخلاف الكثير من التأثيرات التي أدت إلى تدهور الأوضاع في عمان، وهو ماسيمهد إلى نشوب نوع من الحرب الأهلية بين الحكومة في الساحل وبين الإمامة في الداخل.
وفي ختام مناقشة هذا الموضوع فإنني أنوه إلى أنه لم تكن هناك محاولة للصلح بين الأخوين من قبل بعض شيوخ منطقة الخليج، أو أن يجد له مكانا في تاريخ عمان بشكل عام، ولم تتضمن المصادر العمانية والعربية ما يشير إلى ذلك، أو إلى حتى قيام السيد ماجد بزيارة مسقط ومنطقة الخليج سواء في فترة الخلاف مع أخيه ثويني خلال الفترة 1856 – 1860، أو حتى بعد صدور قرار التحكيم عام 1861م
والزيارة الوحيدة التي قام بها في هذه المناطق هي زيارته إلى الهند في سبتمبر عام 1865م.

د. محمد بن حمد الشعيلي
باحث في التاريخ العماني
[email protected]