تجربتي مع أدب الأطفال في سلطنة عمان ـ 2

قد يكون سابقا لأوانه الكتابة عن أدب الأطفال في سلطنة عمان. فليس هناك أدب أطفال بالمعنى الحقيقي أو حركة أدبية في السلطنة تدعم أدب الطفل بطريقة ممنهجة وبناءة. إلا أن الساحة الأدبية العمانية أظهرت بعض الأسماء العمانية التي تعمل في مجال أدب الأطفال بمستويات مختلفة. كما أن هناك فعاليات إعلامية تظهر بين الفينة والأخرى تحت مسمى أدب الأطفال بغض النظر عن نتاجها الحقيقي ومستواها. وبالنظر الى بعض الدول الخليجية التي أولت اهتماما كبيرا لأدب الأطفال في الوقت الحالي، فسلطنة عمان تفتقد الاهتمام الحقيقي لهذا الأدب. وحينما نقول أدب الأطفال أو أدب الطفل فإننا لا نقصد من هذا المصطلح الفعاليات القرائية مع الأطفال وغيرها من الانشطة الشبيهة التي تدور بعيدا عن الحركة الحقيقية لهذا النوع من الأدب. فتلك الأنشطة بشتى أنواعها من قراءة مع الطفل وغير ذلك تتوجه إليه ولا شأن لها بما ينبغي أن تتمحور عنه من أدب خاص به. وفي هذا المقال سأحصر نفسي في الكتابة حول أدب الأطفال القصصي أو الورقي في السلطنة.
بقراءة الساحة الادبية في مجال أدب الطفل المكتوب منذ نشأته عام 1989م كما تم الإشارة إليه في مقالي الأول حول (تجربتي مع أدب الطفل في سلطنة عمان، المنشور في جريدة الرؤية بتاريخ 18 مايو 2011)، "..أن الادب الموجه والمكتوب للطفل في سلطنة عمان ـ وحسب إطلاعي ـ كانت بدايته في عام"1989..". نلاحظ بجانب القصة المطبوعة التي ظهرت لأول مرة في ذلك الوقت ظهور ملحقات ثقافية موجهة للطفل مثل ملحق الأطفال بجريدة عمان "دنيا الطفل" الذي كان يشرف عليه الكاتب محمد الرحبي والذي استمر لمدة أربع سنوات. وظهرت بعد ذلك عدة ملاحق للأطفال مثل ملحق "الشرطي الصغير" التابع لشرطة عمان السلطانية وغيره. هذه المحاولات البسيطة لم يصاحبها إنتاج أو إصدارات لعمانيين غير التي تولت لجنة الطفولة من طباعته وقد تمثل في قصتين هما: قصة بعنوان "مريم في الطوي" للكاتبة فاطمة بنت أنور اللواتية وقصة شعبية بعنوان "الشمار صابر" للكاتبة طاهرة اللواتية . في عام 1992 صدر للكاتبة فاطمة بنت أنور اللواتية عدة قصص أخرى كما هو موضح في المقال المعنون بــ "تجربتي مع أدب الأطفال في سلطنة عمان".

خلال المدة بين عام 1992 وعام 2007 حدث شبه انقطاع في الكتابة للطفل إلا من مشاركات بسيطة لبعض الكتاب في ملاحق ثقافية للصحف والمجلات. ففي عام 2007، صدرت خمس قصص للأطفال من قبل دار الهادي اللبنانية للكاتبتين الدكتورة فاطمة بنت أنور اللواتية والكاتبة أمامة اللواتية بالإضافة إلى اصدار آخر للكاتبة أزهار الحارثية. بعد عام 2007 وحتى وقتنا الحاضر نلاحظ بروز خط تصاعدي أسهم في ظهور عدد من الأسماء في عالم أدب الطفل في سلطنة عمان. ولعل أثر انتشار القصص الموجهة للطفل على مستوى العالم العربي بالإضافة إلى اهتمام الوالدين والمربين والمدارس بأدب الطفل انعكس على الكاتب العماني. فظهر اهتمام ملموس بأدب الطفل تجلى في صدور عدد من القصص الموجهة للطفل.

فمنذ حلقة العمل الأولى التي أقامها النادي الثقافي في عام 1989 تحت عنوان "ندوة ثقافة الطفل"، لم تشهد السلطنة اي نشاط شبيه في مجال أدب الطفل حتى عام 2008. ويؤيد ذلك ما طرحته الباحثة نوران بنت زهران الهنائية في عرضها التاريخي لأدب الاطفال. فنجد في بحثها (أدب الأطفال ومسيرة تطوره في سلطنة عمان: الواقع والمأمول، 2013)، أنها انتقلت من الفعالية التي أقيمت بتاريخ 1989 في النادي الثقافي الى الندوة التي أقيمت في قاعة المؤتمرات بجامعة قابوس خلال الفترة من 13-15 أكتوبر من عام 2008 بعنوان "ثقافة الطفل العماني.. الاصدارات الصحفية و دورها في تنمية ثقافة الطفل". والغريب أن الباحثة توسعت في تعريفها لمصطلح "أدب الطفل" حيث ضمنته جميع الفعاليات التعليمية والتربوية والنسوية والتي لا أجدها تندرج تحت عنوان أدب الطفل (راجع صفحة 145 و ما بعدها ).

الحدث الابرز الذي انتظره الطفل العماني طويلا هو صدور مجلة خاصة بالطفل. فقد بدأت إرهاصات ولادة المجلة المأمولة في الفترة التي أعقبت الورشة التي أقامها النادي الثقافي في عام 1989. إلا أن تلك الإرهاصات سرعان ما خفتت ولم نجد لتلك المجلة المأمولة ظهورا. في عام 2006 العام الذي اختيرت فيه مدينة مسقط عاصمة للثقافة العربية ظهر عددان لمجلة موجهة للطفل من قبل وزارة التراث والثقافة احتفاء بالمناسبة تحت مسمى مجلة قنديل. ولكن من المؤسف أنه حتى الآن لم تصدر اية مجلة مستقلة من مؤسسة حكومية تعنى بالأطفال. أما في القطاع الخاص فظهرت عدد من المجلات مثل مجلة أيوب. وفي عام 2012 بدأ العمل على إصدار مجلة للأطفال بعد عدد من اللقاءات مع أساتذة جامعيين وطلبة مدارس، ومعلمين وتربويين، وأمهات وآباء بإشراف الدكتورة فاطمة بنت أنور اللواتية والدكتور سعيد الظفري بمبادرة ورعاية من شركة نفط عمان. وقد خرجت تلك اللقاءات بعدد من التوصيات التي (مع الاسف) لم أجدها أخذت في الاعتبار من قبل القائمين على المجلة والتي صدرت باسم "مجلة مرشد" عام 2015.

ساهم المنتدى الأدبي بشكل كبير في نشر ثقافة أدب الأطفال عبر مسابقات سنوية في عدد من المجالات الأدبية منها أدب الطفل. وقد استمرت تلك المسابقات بضع سنين شارك في تحكيمها عدد من المهتمين في مجال أدب الأطفال وقد شاركتُ في إحداها كعضوة في اللجنة المشرفة مع الدكتورة سعيدة خاطر وفي السنة التالية كرئيسة للجنة، إلا أن هذه المسابقات توقفت في عام 2017. و جدير بالذكر ان جائزة السلطان قابوس للثقافة والعلوم والآداب في دورتها الرابعة 2015م وهي الدورة التقديرية التي خصصت للعرب أدرجت أدب الطفل ضمن جوائزها لذلك العام. وكان ذلك واحدة من المؤشرات التي بشرت بخير في رفع مستوى أدب الطفل.

د. فاطمة بنت أنور اللواتية
[email protected]