ترى بإن دور الكاتب ينتهي بانتهاء من الكتابة وليس مطلوب منه أن يسوق لما يكتب

القصة العمانية حاضرة في المشهد الثقافي العماني والعربي، ولم تغب رغم حضور الرواية كفن أدبي طاغ خلال هذه الفترة

"عين السواد" تعود بالقارىء إلى دروب الحارة القديمة وساقية الفلج والمجازة والفرضة

"رسائل سعاد" تضم الكثير من المواضيع التي يحتاج الانسان أن يكتبها لصديق يفهمه ويشعر به

حوار ـ خميس السلطي:
للكاتبة العمانية شريفة التوبية حضور أدبي مغاير، يتشكل في خمسة إصدارات أدبية متعددة، تحاول من خلالها بث روح قلمها حيث الوسط الأدبي بين حين وآخر في صور متعددة، فهي كاتبة تقترب من الذات بخصوصية الفكرة، يتسائل القارئ في أحيان كثيرة عن الكاتبة شريفة التوبية وحضورها في المشهد الثقافي ، إضافة إلى ما تقدمه من إبداع، لكنها تجيب بإن دور الكاتب ينتهي بعد الانتهاء من الكتابة وليس ذلك بمعنى موت المؤلف بمعناه الكامل لكن الكاتب ليس مطلوب منه أن يسوق لكتابه رغم أنه الآن هذا ما يحدث من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو غيره .. للكاتبة شريفة التوبية حديث شيق ، وتفاصيل ممتعة، فمع الحوار:

• خمسة إصدارات أدبية تجسد حضورك في عالم الكتابة ومنذ سنوات ليست بالقصيرة، إلا إننا نقولها صراحة، نلاحظ ثمة تأخر في التسويق المباشر لهذه الإصدارات، كيف تعلقين على هذا القول؟ كيف لنا أن نقيس قناعاتك الشخصية في تبرير ما إذا وصلت هذه الإصدارات إلى القارئ بالشكل المطلوب؟
- نعم لدي خمس إصدارات، وموضوع التسويق لهذه الإصدارات يعتمد كما أعتقد على دور النشر وليس على الكاتب، فدور الكاتب ينتهي بعد الانتهاء من الكتابة وليس ذلك بمعنى موت المؤلف بمعناه الكامل لكن الكاتب ليس مطلوب منه أن يسوق لكتابه رغم أنه الآن هذا ما يحدث من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو غيره، ولكن الكتاب الناجح هو من يسوق لنفسه بمعنى أن قارئ واحد للكتاب كفيل بتعريفه لقارىء آخر وهكذا، فالكتب الناجحة تسوّق لنفسها من خلال قارئ يتعرف عليه ويقرأه ويتقبله، فبكل أسف كثير من دور النشر أصبحت لا تهتم بمضمون أو جودة المادة المكتوبة أو حتى بمسألة التسويق للكاتب الجيد بقدر اهتمامها بالجانب المادي الذي يقع على كاهل الكاتب، لتصبح علاقة الكتاب بالناشر علاقة ربحية ليس أكثر، لذلك تجد تكدس الكثير من المطبوعات التي ليس لها علاقة بالأدب، كتب لا تعلم تحت أي ظرف كتبت أو كيف تم نشرها، ولكنها تصدر في مسمى كتاب، وهذا يؤدي أيضاً إلى ضعف المادة الأدبية المقدمة للقارئ وفي النهاية القارئ هو المسؤول الأول لأنّه يقرأ كتب ضعيفة المحتوى والصياغة وربما المسؤولية لدور النشر وفيما يتم تقديمه للقارئ وهذا هو الموجود في سوق الكتب ولعل ذلك يعود إلى غياب القوانين والاشتراطات التي تجبر دور النشر على الالتزام والتقيد بها في مسألة النشر، فليس مهماً الكم وعدد الإصدارات السنوية قدر ما نحن بحاجة لكتاب ذو قيمة أدبية حقيقية تضيف للقارئ ولا تأخذ من وقته وجهده فقط .

عين السَّواد
• لنقترب من تلك الإصدارات الأدبية بشكل دقيق ومباشر .. "عين السَّواد"، ذلك الإصدار الذي هو روح لقصص تحمل وقائع تتقاطع أفكارها أحيانا وتبعد عن بعضها في أحيان أخرى .. لنتعرف على هذا الإصدار وخصوصيته في مسارك الأدبي؟
- كتاب عين السواد وقصص أخرى هو تجربتي الأولى في مجال القصة القصيرة، يحتوي على خمسة عشر نصاً قصصياً متنوعاً نصف القصص تدو أحداث الحكاية فيها في عين السواد ومن هنا أتى المسمى، وعين السواد هي حارة قديمة في قرية إمطي بولاية إزكي، تدور الأحداث في زمن قديم جداً بعضها حتى قبل السبعينات، تعود بالقارىء إلى دروب الحارة القديمة وساقية الفلج والمجازة والفرضة، حتى أنني تعمدت إدخال بعض الكلمات من اللهجة المحلية في بعض الحوارات لإضفاء المصداقية والاقتراب الكامل من بيئة النص، فحتى العناوين تجدها قريبة من تلك البيئة مثل بنت الجبل وفرضة الدواء وعقبة العرقوب وعناوين أخرى يستطيع القارىء أن يلمس علاقتها بتلك الفترة الزمنية البعيدة ، إما بقية القصص في الكتاب فهي قصص متنوعة في أحداثها وزمنها ومكانها، فقارىء الكتاب ينتقل من زمن قديم إلى زمن آخر، حيث بقية القصص في الكتاب هي قصص متنوعة في فكرتها ومحتواها..

رسائل سعاد
• لـ"سعاد" رسائل لم تصل ..؟ لماذا في تصورك؟ ماذا يقول حال واقع تلك الرسائل، خاصة إنها تأخذ قارئها إلى عوالم يدثرها البياض ورعشة الألوان في ظروف مغايرة أخرى؟
- الرسائل كتبت لسُعاد الأخت والصديقة التي ماتت بعد معاناة مع مرض السرطان ، وكنت قريبة منها أثناء مرضها، وقريبة منها أثناء انتظارها لحظة الموت وكنت متعلقة معها أيضاً في ذلك الخيط الضعيف من الأمل لأن تخرج بسلام من تلك المحنة وذلك النفق المظلم وتعود لحياتها، لكن السرطان كان قوياً وكان الموت في الانتظار. الرسائل لا تصف حالة سعاد ومرضها فقط ، هي رسائل تحتوي الكثير من المواضيع الحياتية التي يحتاج الانسان أن يكتبها لصديق يفهمه ويشعر به، وأحياناً الموت لا يعني البعد ونهاية العلاقة بيننا وبين من نحب ، لأننا نشعر بقرب أرواحهم منا، لذلك كنت أكتب تلك الرسائل لسعاد وأنا اعلم أنها لن تصل إليها ولكني كنت أتحايل على الشعور بالفقد من خلال الكتابة والتي ساعدتني لأن أخرج من حالة الحزن التي مررت بها بعد رحيل سعاد، الرسائل في كتاب سعاد لم تصل لسعاد ولكنها وصلت للقارئ، وصلت إلى قلبه وإحساسه، أشعر أن سعاد موجودة الآن في قلب كل من قرأ الكتاب وأن الجميع أصابته عدوى محبتي لسعاد ، وحينما كتبت هذه الرسائل كنت مؤمنة وما زلت أن الموت ليس النهاية حتى تنتهي علاقتنا بمن نحب، ومن خلال هذا الكتاب قد حققت أمنية بعيدة لسعاد حينما قالت لي يوماً : اكتبيني، فلم أكتبها ولكني ضحكت منها في ذلك اليوم وها أنا اكتبها بعد الموت تحقيقاً لتلك الأمنية الغالية لسعاد .

• في هذا الإصدار تحديدا .. أعني "سعاد" ، غلبت الذاتية كثيرا أيضا، فهي توّلد التساؤل المُلح الذي لا نتوقع إجابة من وراءه، الذاتية هنا تفتح نوافذ للفاجعة وتؤطر حضورها.. لنقترب منها قليلا؟ لنقف مع الرابط المباشر بين غلاف الإصدار المقفر وحقيقته؟
- لكتاب سعاد خصوصيته ، فحينما كنت أكتب تلك الرسائل لسعاد كنت أكتبها وأنا متجردة من وجود القارىء أو الرقيب او حتى فكرة أن يتم نشر هذا الكتاب، كنت أكتب وأنا بحالة فقد وحزن، أكتب وأنا بحاجة لأن اكتب لسعاد الأخت والصديقة والرفيقة التي كانت تشاركني أدق تفاصيل حياتي فرحاً أو حزناً، لذلك استعنت بالكتابة للتغلب على حزني لفراقها، أو ربما كنت أحاول إنقاذ نفسي مما تلبستها من حالة الفقد أو محاولة للخروج من ذلك الفراغ الذي خلفه رحيل سعاد، لذلك كنت أكتب وأنا في حالة مصداقية كاملة ومن قرأ الكتاب استطاع أن يعيش الشعور ذاته الذي عشته لحظة الكتابة ، وكتاب سعاد لم أخضعه لكثير من المراجعات أو إعادة الصياغة كما أفعل مع بقية كتبي، أردت أن اقدمه كما هو، كما أتى، لذلك غلبت عليه الذاتية بعض الشيء ، فحتى الغلاف والذي قامت بتصميمه الفنانة بدور الريامي يحمل معاني الموت من خلال أشجار النخيل الواقفة بكفنها الأبيض في تلك الصحراء الممتدة، كتاب سعاد يختلف عن كل إصداراتي فهو الأقرب إلى روحي والأحب إلى قلبي، حينما كتبت سعاد لم أكن أستعين باللغة أو بالخيال لأخرج بنص أدبي لكني كنت أكتب بما أشعر به وبما كنت بحاجة إلى كتابته، واعترف لم أكن أنوي إصدار سعاد في كتاب حتى قرأت الرسائل صديقتي الفنانة بدور الريامي والتي اقترحت علي بأن تخرج هذه الرسائل في كتاب يقرأه القارىء لأن ما كتب فيه من مشاعر الفقد، هي مشاعر إنسانية، عاشها الكثير من البشر ممن مروا بنفس التجربة، تجربة الفقد لحبيب أو صديق .

المقعد شاغر
• ماذا عن خبايا إصدارك "المقعد شاغر" .. ؟ نود لو نشهد بعضا من تفاصيله؟
- إصدار المقعد شاغر، هو إصداري الأول، واعتبره البوابة التي دخلت منها إلى فكرة الإصدار، فأنا كاتبة مقال من خلالي عمودي الثابت كل خميس في جريدة عمان بملحق مرايا وكذلك في بعض المجلات الدورية الأخرى، فأتت فكرة أن أجمع هذه المقالات التي كنت اكتبها منذ زمن طويل وأغلبها قد تم نشره، فخرج كتاب المقعد شاغر الذي كان تجربتي الأولى في مجال الإصدار، رغم اني كنت متخوفة بعض الشيء من أن الكتاب ربما لن ينجح لأنه مقالات فقط، وكما نعلم أن المقال لا يوجد به اشتغال أدبي كما نفعل في بقية الفنون الأدبية الأخرى، لأن المقال نركز فيه على الفكرة ونبحث عن تلك اللغة السهلة التي من الممكن أن يقرأها الجميع وتصل من خلالها الرسالة التي يحاول الكاتب إيصالها إليه، حيث يحاول الكاتب أن يوصل فكرته للقارىء بأقرب ما يكون لديه من المتلقي الذي تتفاوت مستوياته الثقافية، فما يهم الكاتب عند كتابة المقال هو الفكرة وكيفية إيصالها لأكبر عدد من القراء، خصوصاً حينما يكون مقال عمودي اسبوعي يناقش قضايا واقعية تهم القارئ والمتلقي أكثر من أنها تعني الكاتب، لذلك كان كتاب المقعد شاغر مجازفة مني ولكنها بحمد الله كانت مجازفة ناجحة وتقبّل القارئ أو المتابع للكتاب بمحبة كبيرة لكتاباتي وكانت ردور الفعل مشجّعة لأن أخرج بكتاب آخر وآخر مع اختلاف مضامين الكتب وفنونها الأدبية ..

نثار
• "نثار"، و "في قلبي شجرة" إصداران أدبيان قد يحمل كل منها وجها لا يشبه آخره، في تصورك الشخصي ما هي أوجه الاختلاف بينهما؟
- نثار هو الإصدار الثاني لي، صدر في عام 2015 من المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، عبارة عن نصوص قصيرة بل قصيرة جداً، وقد قمت بتتويبه في أبواب مختلفة حسب المواضيع التي تتناولها تلك النصوص، وكتاب نثار يختلف في لغته عن كتاب المقعد شاغر أنه نصوص تم الاشتغال عليها من حيث اللغة أو درجة تكثيف الفكرة وحتى طريقة تقديمه للقارئ من خلال الأبواب التي صنفت من خلالها الموضوعات، أما كتاب في قلبي شجرة فهو قد صدر في عام 2017 من مؤسسة بيت الغشام وهو عبارة عن مقالات تم نشرها من قبل ولكني ارتأيت أن أحفظها في كتاب واحد خشية ضياعها ولأنها تحوي موضوعات وأفكار تهم القارىء وتعنيه ، يحوي في صفحاته حوالي 200 مقال في مواضيع مختلفة ومتنوعة وأكثرها في المجال الاجتماعي وعن قضايا المرأة، وقد أتى كتاب في قلبي شجرة متزامناً في إصداره مع كتاب عين السواد ولكن لكل كتاب خصوصيته ومحتواه ..
• تُرى .. لمن تقرأ الكاتبة شريفة التوبية؟ ما هي اتجاهات الكتابة التي لا تزال تحرص على التواصل معها؟ كيف ترى مستقبل الكتاب الورقي الأدبي في ظل انتشار الوسائط الإلكترونية؟
- انا قارئة نهمة، عاشقة للكتب، لذلك أقرأ بشغف كبير، والقراءة وحدها من أخذ تني إلى عالم الكتابة وعرّفتني إلى هذا العالم الساحر بسحر الكلمة وجمالها، لذلك أنا كنت أقرأ كل شيء، كل ما يقع في يدي اقرأه، وقضيت زمناً طويلاً في تلك القراء العشوائية حتى وصلت إلى الانتقاء والاختيار، ولكن ليس هناك كاتب محدد أو كتاب بعينه أستطيع القول أني أفضّله على غيره، أنا من أولئك الذي يقرأون كثيراً وبشغف كبير كما كتبت أعلاه، ولكني أصبحت اقرأ الكتاب الذي يعجبني دون الالتفات لرأي الناقد أو القارئ أو حتى ما قيل عن الكتاب سلباً أو إيجاباً ، فالكتب الجيدة تفرض نفسها عليك وتستطيع إدراك ذلك من خلال الصفحة الأولى أو السطر الأول، فكم من الكتب التي نالت من التصفيق والمدح والترويج اعتماداً على اسم كاتبها لكنك حينما تقرأ الكتاب قد لا يعجبك أو تكتشف أنه أقل مستوى من كتاب آخر للكاتب نفسه، وفي ذلك استهانة بذائقة القارئ وتقليل من مستوى ذكائه، اعترف أني من أولئك الذين أخذهم الفضاء الإليكتروني، نعم اقرأ الكتاب الورقي ولكني اقرأ الكتاب الإليكتروني أيضاً لأن الكتاب الالكتروني أسهل في الحصول عليه وأسهل في حمله من مكان لآخر، ويكون في متناول يدي متى شئت، فهذا الفضاء الاليكتروني فتح لي المجال لأن أحمّل عشرات بل مئات الكتب وأحملها معي أينما ذهبت، خصوصاً في لحظات الانتظار الطويلة التي أشغلها واختصرها بقراءة كتاب سواء في صالات الانتظار بمحطة أو مطار أو حتى مستشفى ، ومع ذلك ما زال للكتاب الورقي محبوه وعشّاقه، ما زال هناك من يعشق رائحة الورق وملمسه وما زال هناك من لا يجيد القراءة سوى من كتاب ورقي، وهناك من تجده مغرماً بتجميع الكتب في خزانة بيته لأنه يحب رؤية منظر الكتب ولكني وبعد أن تكدست الكتب في بيتي حتى أكاد لا أجد لها متسعاً أضعها فيه أصبحت أكثر ميلاً لقراءة الكتب الاليكترونية، لأنها وفّرت لي المساحة أيضاً وبالنسبة لي المهم أن نقرأ، بأي طريقة وبأية وسيلة وبأي مكان وزمان ، المهم أن نقرأ وهذا ما أفعله .

القصة العمانية
• وكيف تفندين الواقع القصصي المحلي؟ الندوات التي تتناول تجربة القصة في السلطنة كيف ترينها؟
- القصة العمانية حاضرة في المشهد الثقافي العماني وحتى على المستوى العربي، وهي لم تغب رغم حضور الرواية كفن أدبي طاغ خلال هذه الفترة، حتى أصبح من لم يكتب رواية كأنه لم يكتب شيئاً ، وتلك هي عقدة كثير من الكتّاب لدينا الآن، فكتاب القصّة لدينا لهم باع طويل في هذا المجال وهناك أسماء عمانية تعتبر رائدة في كتابة القصة، مثل محمود الرحبي وبشرى خلفان ووليد النبهاني وأسماء كثيرة ربما لا أتذكرها في هذه اللحظة لكنها كتبت القصة القصيرة وما زالت تكتبها حتى وأن اتجهت بعض هذه الأسماء إلى كتابة الرواية، ولكن بكل أسف ربما تنقصنا الجلسات النقدية والنقد الجاد في مجال القصة، نحتاج إلى اهتمام أكبر بهذا الفن الأدبي كإقامة ورش عمل لكتابة القصة، وقد كان ذلك في معرض الكتاب الأخير حين أقامت الأديبة بشرى خلفان ورشة لكتابة القصة القصيرة، وربما علينا ككتاب قصة أن ننتصر للقصة من خلال الاستمرار في كتابتها وتقديمها للقارىء في شكلها الأنيق كما يقدم الشاعر قصيدته أو الراوي روايته.. القصة موجودة وحاضرة مادام هناك كاتب مؤمن بما يكتب وقارىء يعيش نفس الإيمان .