لم تعد القوانين ذات الصبغة الاقتصادية رفاهية كما كانت في الماضي، لكن منذ عقود أضحت تلك القوانين أحد أهم المقومات التي ينظر لها المستثمر قبل خوضه تجربة الاستثمار في بلد ما، فوضع أطر قانونية عادلة مستقرة يمكن التنبؤ بها من أجل تحقيق التنمية المستدامة المنصفة الشاملة للجميع، والنمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل هو الطريق لإيجاد الاستثمار وخلق بيئات جاذبة لإقامة ريادة الأعمال الحرة، فالشركات الاستثمارية تبحث دائمًا عن الدول التي ينخفض فيها معدل الخطر في الاستثمار، ويعد النظام القانوني للدولة من أهم عوامل جذب الاستثمار الأجنبي في البلد. ويشمل ذلك القانون التجاري وسهولة المعاملات التجارية، كما يشمل معدلات الشفافية والفساد في الدول، والاستقرار السياسي للحكومة.
وتمثل الأهمية الكبرى التي يعنيها جذب الاستثمار أحد أهم المحفزات للدول، للعمل جاهدة على توفير ظروف مواتية ومشجعة لجذب الاستثمارات الوطنية والأجنبية على السواء، فالمستثمر يبحث عن الدولة التي تقدم له أفضل الفرص لنجاح مشروعه الاستثماري وحمايته من المخاطر، ولا سيما غير التجارية مثل المصادرة والتأميم وغيرها من الإجراءات التي من شأنها التأثير في مشروعه، لذا تحرص معظم الدول التي تبحث عن التنمية على تحسين نظامها القانوني من خلال إصدار قوانين الاستثمار، وذلك لتوفير الحماية لتلك الاستثمارات ومنحها الضمانات والمزايا المختلفة التي من شأنها بث الثقة والطمأنينة وتشجيع المستثمرين على الاستثمار في أراضيها.
ويأتي إدراك البلاد لهذه القواعد الراسخة المؤكدة على أهمية التشريع في تهيئة المناخ الاقتصادي الملائم، وسعيها إلى إصدار التشريعات المناسبة والملائمة لأوضاعها المحلية المتجاوبة مع المتغيرات الدولية، خطوة استباقية وإيجابية في استجابة المزيد من المستثمرين للتوسع الاستثماري، فترتفع بموجب ذلك أحجام الاستثمارات، وتتزايد معدلات النمو، ما يؤدي إلى زيادة الصادرات، وانخفاض مستويات الباحثين عن عمل.. فالسلطنة تعي أن توافر عناصر الإنتاج، واتساع حجم السوق وإصلاح هياكل الأسعار، برغم أنها شروط ضرورية للجذب الاستثماري، إلا أنها ليست كافية بذاتها، لذا تعمل على إقامة بيئة تشريعية تزيل أي لبس أو غموض في بعض مكونات المناخ الاستثماري للاقتصاد الوطني، وتنظيم ظاهرة الاستثمار بما تضمنه من وجود نظام قانوني متطور من شأنه أن يرسي الأسس التي تضمن تدفق الاستثمارات على نحو يرعى مصلحة البلاد الوطنية المتمثلة في إنجاز خطوات واضحة في طريق التقدم، كما تقوم السلطنة دائمًا بالتأكيد على مقوماتها وما تملكه من فرص واعدة للاستثمار ومزاياه الكائنة فيها، وتسعى بشكل دوري إلى تعريف العالم، وإطلاعه على الأوضاع القانونية وما تم بها من تحديث يضمن الاستقرار، ليتأكد الراغب في الاستثمار في البلاد أن أمواله مصانة، مع عدم وجود مخاطر غير تجارية.
ويعد إقرار مجلس الدولة الأربعاء الماضي لقانون الشركات التجارية إحدى الخطوات الفاعلة في استكمال البناء التشريعي الجاذب للاستثمار، حيث يسعى القانون إلى تحقيق العدالة في التعامل بين الجهات الحكومية المعنية بهذا الشأن والشركات، وبين الأفراد العاملين بها، بالإضافة إلى حفظ الحقوق العامة للدولة كالضرائب وغيرها من رسوم التجديد والترخيص، وكذلك حفظ حقوق أصحاب هذه الشركات، وقد شهدت جلسة إقرار القانون مناقشات مستفيضة لمواد مشروع القانون من المكرمين أعضاء المجلس، مجمعين على أهميته في تهيئة بيئة الاستثمار وتشجيع وحماية المستثمرين العمانيين، لتؤكد السلطنة أنها ماضية في استكمال التشريعات اللازمة، لبناء بيئة اقتصادية مواتية، تجذب الاستثمار، وتسعى إلى مواكبة التطورات العالمية، وتراعي الإمكانات المحلية، لتكون جنبًا إلى جنب مع باقي المقومات الجاذبة للاستثمار التي تسعى البلاد إلى استجلابه، لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، وتوفير فرص العمل لأبنائنا الباحثين عن عمل.