[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]

لم يتسلم الاتحاديون الحكم مباشرة برغم أكثريتهم البرلمانية، بل ظلوا يديرون الأمور في الخفاء بواسطة لجنتهم المركزية في سالونيك، ولما حاول السلطان إعلان الثورة ضدهم قاموا بمداهمة الاستانة وخلعه في 24 نيسان (ابريل) سنة 1909 والمناداة بمحمد رشاد سلطاناً مع اضطلاعهم بأعباء الحكم.
إن أعضاء جمعية الاتحاد والترقي كانوا إذا ساروا إلى عواصم أوروبا، فإنهم يبحثون عن المحافل الماسونية، يسلمون على رؤسائها، وفي اثناء زيارتهم لبريطانيا في صيف 1909م، اقيمت على شرف اعضاء وفد الاتحاد والترقي مأدبة صهيونية، اكد فيها الأعضاء ترحيبهم بالهجرة اليهودية إلى الدولة العثمانية، ذلك أن معظم قادة الاتحاد والترقي من يهود الدونمه ومن الماسونيين، من امثال مصطفى كمال وطلعت باشا والدكتور ناظم وخوزي ونعوم افندي وقرة صو وغيرهم.
كان للاتحاديين الذين امسكوا السلطة في يناير/كانون الثاني من العام 1913م افكار مختلفة تماماً، فقد كانوا راغبين في أن يصبحوا جزءاً من النظام العالمي الذي تهيمن عليه أوروبا، لكنهم كانوا يتوقعون أن يعاملوا معاملة الشركاء حتى وإن كانوا شركاء صغاراً.
أما جذور الاتحاد والترقي فترجع إلى عهد السلطان عبد العزيز (1861-1876م) وقد بدأت بإصدار الصحف، وهي مرحلة التمهيد، التي بدأت تعلن عن نفسها من خلال الترويج لأفكارها، وابراز بعض الأسماء التي ارادت أن تضعهم على السلالم الأولى من رحلة طويلة، ولم يأت تأسيس هذه الجمعية اعتباطاً، وإنما كان ضمن خطة يهودية متكاملة، ارادت أن تجعل من النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مرحلة الإعداد وتهيئة الأجواء لاحتلال فلسطين، وإذا ما ارادونا أن ننظر الآن إلى تلك الفترة وندرسها بدقة وبعد مرور اكثر من قرن على تأسيس تلك الجمعية، نرى أنها قد وصلت إلى نتيجة حاسمة، إذ تمكنت أن تصنع تنظيماً مهماً من كبار ضباط الجيش، والمهمة التي اوكلت إليهم هي الاطاحة بالسلطان عبد الحميد الثاني، الذي سبق أن أشرنا إلى مواقفه الحاسمة والنهائية من قضية استيطان اليهود في فلسطين، وقد جعل اليهود هذه الورقة (جمعية الاتحاد والترقي) الورقة النهائية التي لعبوها في الوقت المناسب، وكانوا ينطلقون من:
1ـ أن ضم ضباط الجيش الشباب إلى هذه الجمعية يعد مرحلة مهمة، إذ إن الضباط الشباب الذين غالباً ما يكونون متحمسين وطموحين سيرافقهم هذا الطموح والحماسة مع تقدمهم في العمر والمناصب.
2ـ وبعد مرور عقدين أو ثلاثة سيكونون في مواقع مهمة، إذ إن الشباب من ضباط الجيش سيتقدمون في رتبهم العسكرية.
3 ـ إن استخدام الصحف وسيلة خطيرة، وتسعى لتحقيق هدفين مهمين، الاول الترويج الهادئ لأفكار الجمعية، والثاني الدعم المباشر لضباط الجيش المهمين من المنضوين تحت لواء هذه الجمعية.
4 ـ كان انتشار هذه الجمعية ودعمها ضروريًّا، بسبب استمرار الحكم الإسلامي في الدولة العثمانية، الذي يقف حجر عثرة أمام المشاريع الصهيونية، لهذا وجبت تهيئة عناصر من اعضاء هذه الجمعية ليحتلوا مواقع قيادية.
ولكي تعطي هذه الجمعية صورة أكثر فاعلية لاسمها ودورها، فقد شكلت لها فروعاً في العواصم الأوروبية، وكان لها فرع في باريس وآخر في سلانيك.