في الوقت الذي أحدثت فيه وسائل الاتصال الحديثة نقلة نوعية فريدة في التقارب بين شعوب سكان الكرة الأرضية وربما خارجها ، وخدمت العالم في سهولة نقل الأحداث والتعرف على ما يدور من حولنا من أمور ايجابية كانت ام سلبية أسهمت في جانبها السلبي تصحيح العديد من المسارات نتيجة مشاهدة ما يحدث عند الآخر والاستفادة مما لديه من تطور وسرعة في جانبها الايجابي ، كما ان شعوبا كثيرة اعتبرت التقنية الحديثة في وسائل الاتصال والتواصل نافذة علمية لابد من الاستعانة بها وتسخيرها في توسيع ثقافة الفرد وتوسيع مداركه في كافة المجالات خاصة بعد ان تحولت غالبية الأجهزة خاصة المحمولة او الهواتف الذكية الى عالم صغير في حجم الجهاز المستخدم وكبير وفي محتواه المعرفي والمعلوماتي ، فعلى سبيل المثال ما ان يقدر لك زيارة إحدى الدول ولتكن اليابان تجد السواد الأعظم من السكان لا تسمع منهم همسا فهم منشغلون بما في أيديهم من أجهزة اما قرآته لكتاب معين او ممارسة إحدى الألعاب الالكترونية ، صحيح البعض يرى في ذلك سلبية تؤدي الى القضاء على العلاقات الاجتماعية الا إنها ربما حسناتها تبعد الفرد منهم عن استخدام تقنية الاتصال الحديثة وسيلة للنميمة ونقل الإشاعات المغرضة كما هو حالنا هذه الأيام .
والغريب في الأمر ان نميمة القرن الحادي والعشرين التي سخرت لها جميع الوسائل الحديثة أصبحت تمارس من كافة المستويات في مجتمعاتنا العربية ولعل محيطنا الخليجي أكثر ، حيث ان ذلك له دلالة على الفراغ الفكري والثقافي والمعرفي الذي تعيشه هذه المجتمعات غير الجادة حتى الآن للتحول من النمط الاستهلاكي الى الإنتاجي الذي يفيد البشرية ، ليس فقط للجانب الاقتصادي والتجاري والخدماتي ولكن لكل مفردات الحياة مقوماتها الفكرية والثقافية ولعل ذلك نتاج لهشاشة الأساس التربوي ليس الأسري وإنما الشمولي الذي نشأت عليه ، في ظل دول وجدت نفسها غنية بالفطرة فسخرت ثرواتها لتنمية وبناء الحجر بدرجة اكبر من تنمية وبناء العقول والبشر ، ظنا منها بان الرعاية الأبوية للمواطن بتوفير كافة الخدمات دون ان يكون له دور ملموس فيها تعويض عن سنوات الحرمان التي عاشها أجداده وآباؤه والنتيجة ما يحصد الآن من اتكالية مقيتة وسوء إدارة وفساد مالي وإداري نتيجة عدم توفر القيادات القادرة على الإحلال في العديد من أجهزة التخطيط والخدمات العامة .
فشعوبنا الخليجية لا نعدو الحقيقة اذا قلنا بأنها أصبحت في مقدمة شعوب الدول النامية في سوء استخدام التقنية الحديثة وتسخيرها كأداة للسخرية والنميمة ونشر الإشاعات والإساءة لبعضهم البعض ، من خلال انفلات قيمي وأخلاقي يتعارض مع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف فما شهدناه خلال الفترة القليلة الماضية من تناقل لأحداث في مجتمعنا عبر كافة وسائل التواصل الاجتماعي شيء مريع ليس في تناقل للأحداث من اجل تسجيل ردود أفعال بعدم الموافقة على ما اتخذ من إجراء ، وإنما في أسلوب السخرية الاستهزاء والنميمة والاهانة وغيرها من المفردات غير الأخلاقية التي صاحبت ذلك والتي تعرض لها البعض من أفراد المجتمع ، صحيح البعض ربما يعذر تلك الفئة التي تجد في ذلك هواية لممارسة ردود أفعالها السلبية المتمسكة بها دائما اتجاه كافة أجهزة الخدمات،
الا ان البعض منها لا تعذر لأنها تمثل رموا وفعالية إعلامية وصحفية واقتصادية وثقافية معروفة من المعيب ان تنجر وراء مثل هذه الأساليب وممارسة هذه العادة السيئة التي لا يقبلها لا عقل ولا عرف ولا دين .
ان ما بين أيدينا من وسائل تواصل اجتماعي حديث يفترض ان نسخرها لخدمة أوطاننا وليس لهدمها او الإساءة بواسطتها الى بعضنا البعض ، فالنقد البناء والهادف المستند على حقائق موضوعية وبأسلوب حضاري راقٍ لاشك مطلوب ويؤكد على مشاركة أفراد المجتمع في التغيير الى الأفضل ، ولتكن وسيلة لتبادل المعلومة المفيدة والكلمة الطيبة والصورة المعبرة بدلا من جعلها وسائل نميمة في القرن الـ21 .

طالب بن سيف الضباري
امين سر جمعية الصحفيين العمانية
[email protected]