[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/kazemalmosawy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]كاظم الموسوي[/author]
” توقع الخارطة السياسية لما بعد الانتخابات يشي بتشكيل صورة ملونة دون مساحات كبيرة لأي من القوى والأحزاب، وتعطي لكل كتلة سياسية وزنها الانتخابي، بمعنى أنها تتقاسم الأعداد بما يجعلها متقاربة أو متوازية في ما بينها دون فوز كبير لأي منها. والملاحظ مثلا أن كل كتلة سابقة تشظت إلى أقسام متباعدة أكثر مما كانت عليه، ولم تسلم أية قوة منها. فلم تعد تسميات الكتل والتحالفات كما هي عليه، وأخذت انقساماتها مواقعها في الخارطة والمشهد.”


تتميز انتخابات هذا العام في العراق عن ما سبقها بتوسع المشاركين فيها، وبحملها طموحات وآمالا أوسع، إعلاميا في الأغلب. إذ تأتي الانتخابات بعد انتصار كبير على الإرهاب وهزيمة رأسه المختصر بـ"داعش" عسكريا واسكات بؤره المدينية، مما انعكس مباشرة على حجوم القوى السياسية التي تهيمن على صورة الانتخابات وتبرز في صدارة المشهد السياسي. وكذلك بعد تحجيم غرور القيادات السياسية الكردية التي تصرفت بالعراق وكأنها مكلفة بحدوده. الأمر الذي وضع الكتل والتحالفات السياسية القائمة أمام مرآتها الداخلية قبل التدخلات الخارجية التي مازالت تلعب دورها في رسم الخرائط ومساعي التأثير والتدبير. ثم يمكن القول عن بروز ظاهرتين جديدتين، الأولى تتمثل بقوى جديدة في المشهد السياسي، والثانية بتمرد بعض القوى على حسابات كثيرة غيرت في المشهد العام.
صادق البرلمان الحالي على موعد إجراء الانتخابات التشريعية في 12 أيار/ مايو القادم ووضع التزامات على الحكومة الحالية استنادا إلى مواد دستورية والتنسيق بين الحكومة والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، كما تسمى رسميا، واشتراط مجلس النواب بـ: أولا؛ توفير البيئة الآمنة لإجراء الانتخابات.
ثانيا؛ إعادة النازحين لمناطقهم. ثالثا؛ أن يكون التصويت الكترونيا في جميع المناطق من خلال استخدام أجهزة العد والفرز الالكتروني.
رابعا؛ أن لا تكون للأحزاب التي تخوض الانتخابات أجنحة مسلحة.
خامسا؛ قصر حمل السلاح مدة الدعاية الانتخابية وبعدها إلى غاية نهاية يوم الاقتراع على المؤسسات الرسمية وخصوصا في وزارتي الدفاع والداخلية.
سادسا؛ تكثيف أعداد المراقبين المحليين والدوليين والطلب من مؤسسات المجتمع المدني ومن الأمم المتحدة القيام بالإجراءات اللازمة لضمان المشاركة الواسعة في انتخابات حرة نزيهة.
سابعا؛ يراقب مجلس النواب ومن خلال لجانه تنفيذ الالتزامات الواردة وتقييمها وتستلم رئاسة المجلس التقارير المتعلقة بذلك.
ثامنا؛ ضمان مشاركة جميع المواطنين في الانتخابات من خلال وضع صناديق للنازحين في المحافظات للنزوح الداخلي.
الالتزامات المقررة من البرلمان للحكومة توضح مستويات منوعة من العلاقات والاتصالات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وبحكم التناقضات والصراعات داخل القوى السياسية المشتركة في السلطتين والتي تفضح حتى في ما تتفق عليه خلفياتها الأيديولوجية وتوافقاتها الخارجية وعكسها في النشاط والفعالية لها في الداخل العراقي. وتكشف سير ومسيرة السنوات الطويلة التي مرت أبعادا ومستويات الوعي السياسي، الوطني والقومي والمصالح العليا للشعب العراقي بمكوناته وألوانه وطاقاته وقدراته. وبينت أن تغير الوجوه ملمح يظهر في كل الانتخابات ولكن الخشية من استمرار الأوضاع ذاتها إذا لم تنحدر مع تدهور مركب، خارجي وداخلي، على مختلف الصعد، السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
باقتراب موعد الانتخابات العراقية تتقاسم الآراء فيها وحولها، آراء ترى فيها خطوة أفضل من سابقاتها نحو التقدم خارج المحاصصات الطائفية والاثنية السائدة في العملية السياسية التي ركبت عليها منذ عام 2003 وأخرى لا ترى أي جديد يسهم في التغيير الفعلي نحو بناء دولة مؤسسات ومواطنة حقيقية واحترام القانون وحقوق الإنسان. فضلا عن توجهات للامتناع في المشاركة فيها والدعوة لمقاطعتها. ولكن ما حصل هذه المرة في الخريطة السياسية الحزبية قد يؤسس لحالة أخرى يمكن التعويل عليها ولو بحدود أو بانتظار المؤشرات العملية منها. ورغم إعلان أغلب القوى أو التحالفات أنها تدخل ببرامج لها في الانتخابات وتتنافس على ضوئها، وما زالت في الواقع غير مكتملة أو معلنة عند الجميع. وفي الوقت نفسه ما حصل داخل الخريطة السياسية من انشطارات سيحجم من الكتل والقوى الأكبر وسيفرض عليها البحث عن مخارج لها في التحالفات وهذه الأخيرة تضعها أمام نفسها مرة أخرى، بين العودة إلى المحاصصات أو الخروج منها إلى أجواء أرحب لاسيما بعد فترة الانتصار على الإرهاب وتحرير المدن التي احتلت ودمرت ونزح سكانها عنها إلى مخيمات ومعسكرات نزوح في مدن أخرى ومناطق أبعد عن ديارها وبيوتها ومسقط رأسها أو مرابعها الأولى. وتقدم الظاهرة الجديدة في الساحة السياسية ودورها في المشهد السياسي والصراع الداخلي، يفرضها قوة مؤثرة في نتائج الانتخابات القادمة، باسمها أو بمرادفاتها.
توقع الخارطة السياسية لما بعد الانتخابات يشي بتشكيل صورة ملونة دون مساحات كبيرة لأي من القوى والأحزاب، وتعطي لكل كتلة سياسية وزنها الانتخابي، بمعنى أنها تتقاسم الأعداد بما يجعلها متقاربة أو متوازية في ما بينها دون فوز كبير لأي منها. والملاحظ مثلا أن كل كتلة سابقة تشظت إلى أقسام متباعدة اكثر مما كانت عليه، ولم تسلم أية قوة منها. فلم تعد تسميات الكتل والتحالفات كما هي عليه، وأخذت انقساماتها مواقعها في الخارطة والمشهد. التحالف الوطني أصبح موزعا بعناوين عديدة، وحتى الحزب الأساس فيه نزل بقائمتين رسميا، وكذلك حصل في كتل تحالف القوى العراقية أو الوطنية أو الكردستانية أو التجمعات المدنية والاجتماعية. ولكن ما ميّز الحملات الجديدة خروج التيار الصدري عن تحالفه السابق وانضمامه أو قيادته لتحالف ضم قوى سياسية مختلفة معه سياسيا وفكريا وإعلانه السير معها في قائمة مشتركة جديدة في الخارطة الانتخابية، وهو أول انشطار فعلي أو تحول سياسي مشترك خارج المحاصصات والألوان التقليدية. حمل اسم تحالف "سائرون نحو الإصلاح"، بين التيار الصدري وقوى وأحزاب مدنية، منها الحزب الشيوعي العراقي. ولأول مرة في تاريخ الانتخابات العراقية يحصل مثل هذا التحالف، السياسي المعروف بقاعدته الشعبية الواسعة ومشاركته المتواصلة في الاحتجاجات الأسبوعية والمطالبة بالإصلاح العام والأهداف الوطنية العابرة لقاعدة العملية السياسية. وإذا فاز هذا التحالف مع القوى والأحزاب القريبة منه سياسيا، والداعية إلى دولة القانون والمواطنة والحقوق الأساسية، فإن قيام كتلة جديدة في خارطة البرلمان قد تلعب دورا في محاولة الإصلاح والتغيير في المشهد السياسي، والضغط لإخراج العملية السياسية الجارية من قيودها المكبلة للتحولات المطلوبة وطنيا وقوميا. ولكن الضغوط الخارجية ودورها في رسم ملامح العملية السياسية تبقى عاملا أساسيا في المشهد السياسي في العراق.