[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
من يستمع إلى الخطابات الممهدة للانتخابات اللبنانية يرى فيها حربا من نوع آخر .. جملها قذائف، وكلماتها رصاص وإغارة طيران ، بل تعابيرها ذبح من الوريد إلى الوريد.
كنا نظن إن الشكل الجديد للانتخابات كما ابتدعته عقول ، سيحد من الكلام العنيف الذي يأخذ إلى التطاحن المذهبي والطائفي والعنصري .. وساد الظن أن لبنان بقانونه هذا سيتخلص من أشكال انتخابات سيطرت على أجيال وعززت فيها روح الشر الطائفي والمذهبي ، فإذا بالقانون الجديد أسوأ من كل ماسبق ، بل إن رنة الحروف الخارجة من الأفواه تبدو وكأنها دعوة للتقاتل.
هو ليس وطن من لايدرك مسؤولوه نوع الكلام الذي يجب قوله في شعب ليس شعبا بل هو تجميع سكان كما يقول المرحوم جورج جرداق .. شعب جرب كل الوسائل ومنها حروبه من أجل أن ينفصل فلم يتمكن من الانفصال، أو يتوحد فلم ينل فرصة التوحد ، ربما لأن الخارج منعه، أو هو لديه المناعة في ذلك، وربما هي الحالتان.
لم يعد سرا أن اللبنانيين يكذبون على بعضهم في حملة " التعايش " المبهمة التي كلما استعملت زاد الانقسام، وكلما قيلت ظهرت علامات الاحتدام .. اللبنانيون تعارفوا منذ زمن بعيد على الأسلوب الذي يمكنهم من تمرير فكرة قبول الآخر بأقل الخسائر ، لكنهم على مايبدو يحتاجون في كل فترة إلى تذكيرهم بأن الصراعات الخفية في مابينهم يجب أن تنتهي دائما بسيناريوهات من الحروب الدائمة، بعضها صامت لكنه موجود بقوة، وبعضها يخرج إلى العلن ولدينا الأدلة من تاريخه.
كلما التقى لبناني بآخر في بلد ما أو في بقعة لبنانية " محايدة " كان السؤال الأول بينهما " من أين حضرة الأخ " .. سؤال بسيط لكنه يحمل أبعاد تاريخ طويل من مشقات العلاقات الداخلية اللبنانية، يريد كل منهما ان يعرف مسقط رأس الآخر كي يوزن كلامه. احد السياسيين اللبنانيين دخل الى بيت زميل سياسي مريض فتفاجأ بكومة من الحاضرين الذين لايعرفهم، وحين همس للمريض سائلا عن انتماء هؤلاء، بل حين عرف انهم من الجنوب اللبناني ( موقع حزب الله ) بدأت تعابيره بصوت عال اشادة بحزب الله وهو من المعروفين بخصامه مع هذا الحزب.
ذات يوم قال وزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر ان لبنان فائض جغرافي، كان ذلك في زمن يشبه ازمنة ميتة من عمر لبنان .. الشيء الوحيد الذي يجعل لبنان مغردا كطائر حر طليق هو مقاومته .. وهي التي تشفع له كل وجوده العبثي السوريالي، وكل جماله الطبيعي الذي تمنى ذات يوم احد المسؤولين الكبار في دولة خليجية لو كان يحكم بلدا بجمال لبنان.
لبنان اذن يتطاحن في هذه الايام، هنالك تقريبا اربعون يوما لموعد الانتخابات، لعلها من الاسوأ في ايامه .. كل انتخابات العالم تشغل ببرامج وليس بمماحكات من النوع المفجر لأزمات او لصراعات وحروب داخلية .. ثمة من يتصرف اليوم على هذا الاساس، وثمة من يختار الوقت الذي يجب ان تنطفيء فيه كل احتمالات التباعد، فاذا به يرفع وتيرة خطاباته كسكين حادة تنزل على المجتمع لتعيده الى شكل السوريالي.
ما أحوج لبنان الى زعماء كبار، الى رجالات تضحي بمصالحها من اجل مصلحته، الى احساس وطني بدل تلك النزعات الطائفية والمذهبية ..