الصبر خلق رفيع، وحلية عظيمة، وسلوك حسن، وصفة حميدة، إنه خلق المؤمنين، وحلية المتقين، وسلوك أولياء الله أجمعين، وعلى رأسهم الأنبياء والمرسلون. والصبر معناه لغةً: الكف والحبس، ومعناه اصطلاحًا: حبس النفس على فعل شيء، أو ترك شيء، أو تحمل شيء؛ ابتغاءً لوجه الله تعالى.
لقد أوذي جميع الأنبياء حتى من أقرب الناس إليهم، ومن أعتى الناس في عصرهم، فصبروا، وصابروا، واحتسبوا، يقول الله تعالى في شأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم آمرًا له بالصبر: { فاصبر صبرًا جميلًا} سورة المعارج الآية"5"، ويقول الله تعالى: { واصبر على ما يقولون وهجرهم هجرًا جميلًا} سورة المزمل الآية"10"، ويقول الله تعالى: { فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل وأطراف النهار لعلك ترضى} سورة طه الآية"130"، ويقول الله تعالى: { فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب* ومن الليل فسبحه وأدبار السجود} سورة ق الآيتان"39-40"، ويقول الله تعالى: { فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم} سورة الأحقاف الآية"35"، ويقول الله تعالى: { واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم* ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم} سورة الطور الآيتان"48،49"، ويقول الله تعالى: { فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم} سورة القلم الآية"48".
ويقول الله تعالى في شأن سيدنا أيوب عليه السلام: { إنا وجدناه صابرًا نعم العبد إنه أواب} سورة ص الآية"44"، ويقول في شأن سيدنا موسى عليه السلام: { ستجدني إن شاء الله صابرًا ولا أعصي لك أمرًا} سورة الكهف الآية"69"، ويقول في شأن سيدنا إسماعيل: { يا أبتي افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين} سورة الصافات الآية"102".
وقد أمر الله تعالى المؤمنين بالصبر، فقال: { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} سورة آل عمران الآية"200"، ويقول الله تعالى على لسان لقمان الحكيم، وهو يوصي ابنه: { يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} سورة لقمان الآية"17.
ولما كان الإنسان اجتماعي بطبعه، مدني بفطرته لا يستغنى عن غيره من بني جنسه، فمن الطبيعي أن يخالطهم، ويخالطونه، فعلى المسلم أن يصبر على أذاهم، ويتحمل إساءتهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" رواه الترمذي وابن ماجه.
جاء في تفسير الدر المنثور للسيوطي: أخرج أحمد في الزهد عن مجاهد قال: كُتب إلى عمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين رجل لا يشتهي المعصية ولا يعمل بها أفضل أم رجل يشتهي المعصية ولا يعمل لها، فكتب عمر رضي الله عنه: إن الذين يشتهون المعصية ولا يعملون بها { أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم}. ومعنى امتحن قلوبهم للتقوى: أي أخلصها للتقوى، وهو ثناء من الله تعالى للذين يغضون أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالًا وتقديرًا له عليه الصلاة والسلام، يقول تعالى: { إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم} سورة الحجرات الآية"3".
فالمؤمنون يدعون ربهم بأن يفرغ عليهم الصبر، يقول الله تعالى: { ربنا أفرغ علينا صبرًا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين} سورة البقرة الآية"250"، ويقول الله تعالى: { ربنا أفرغ علينا صبرًا وتوفنا مسلمين} سورة الأعراف الآية"126".
والمؤمنون يتواصون فيما بينهم بالصبر، يقول الله تعالى: { والعصر* إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}، ويقول الله تعالى: { ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة} سورة البلد الآية"17". للحديث بقية.

د/ يوسف بن ابراهيم السرحني