أخي القارئ الكريم تحدثنا في اللقاء السابق كيف أن الصحابة رضوان الله عليهم باعوا أنفسهم لله تعالى فرضي عنهم ورضوا عنه وأسكنهم فسيح جناته يقول الله عز وجل في ذلك ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم ) التوبة 111 ويبن الله عز وجل في هذه الآية ثواب الشهداء حينما دفعوا أنفسهم وأموالهم قربانا لله مقابلا لذلك { الجنة } وأخذ العهد على نفسه بذلك في التوراة والإنجيل والقرآن ولا أحد أوفى بعهده من الله وذلك هو الفوز العظيم ونكمل اللقاء الذي بدأناه نعلم منزله الشهداء عند الله عز وجل الصحابة الذين بذلوا أرواحهم التي هي أغلى من كل شيء هذا هو عمرو بن الجموح الأنصاري يتقدم من النبي صلى الله عليه وسلم مستأذنا أن يدخل معركة أحد ليحارب مع المحاربين مع أن الرجل معذور فهو أعرج لا يستطيع السير إلا على رجل واحدة فقال له النبي يا عمرو أنك رجل معذور ومعك رخصة ومعافى من الجهاد يقول الله عز وجل في محكم القرآن (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ) الفتح 17 وقال له أولاده الأربعة أجلس يا أبانا ونحن ندافع عنك عن أمثالك من المعذورين فقال الرجل يا رسول الله أريد أن أقاتل في سبيل الله حتى أقتل فأكون شهيدا فأدخل الجنة بعرجتي هذه فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم في دخول المعركة فأخذ الرجل سيفه ورمحه وآلة حربه وأسرع إلى ميدان الجهاد وهو يقول اللهم لا تردني إلى أهلي اللهم أرزقني الشهادة واستجاب الله له ورزق الشهادة ورآه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدخل الجنة فصرح النبي صلى الله عليه وسلم بقوله والذي نفس محمد بيده لقد رأيت عمرو بن الجموح يطأ الجنة بعرجته وبعد لحظات صرح النبي صلى الله عليه وسلم بقوله والذي نفس محمد بيده لقد رأيت عمرو بن الجموح يطأ الجنة ولا عرجة فيه فقالو يا رسول الله لقد قلت أولا دخل الجنة بعرجته والآن تقول دخل الجنة ولا عرجت فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمنى أن يدخل الجنة بعرجته ولنا عند ربنا ما نشتهي وما نتمنى ولاكن لا يبقى على عرجته فأهل الجنة مبرؤن من كل عيب ظاهري وباطني العيب الظاهري مبرؤن منه ( إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا ) الواقعة 35 هذا تصريح في القرآن عن نساء أهل الجنة وينصرف بالطبع إلى رجالها أصحاب الجنة مبرؤن من الأمراض الباطنية ( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين ) الحجر47 48 وفي صبيحة يوم من الأيام التقى النبي صلى الله عليه وسلم برجل يقال له حارثة في بعض سكك المدينة فقال: كيف أصبحت يا حارثة؟ قال: أصبحت مؤمنا حقا قال: إن لكل إيمان حقيقة فما حقيقة إيمانك؟ قال: عزفت نفسي عن الدنيا فأظمأت وأسهرت ليلي وكأني بعرش ربي باديا وكأني بأهل الجنة في الجنة يتنعمون وأهل النار في النار يعذبون فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أصبت فالزم مؤمن نور الله قلبه ) فقال يا رسول الله أخشى التبديل والتغيير أدعو الله لي يا رسول الله أن يختم لي بالشهادة في سبيل الله وبين يديك فدعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقب غزوة حمل سيدنا حارثة وقد أصيب بسهم نزف جسمه على أثره وحمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينزف من دمه فوضع النبي صلى الله عليه وسلم رأس سيدنا حارثة على رجله الشريف وفاضت روحه بين يده إلى بارئها وجاءت أم حارثه تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن حارثة وعن مصيره وقالت يا رسول الله إن كان ابني حارثة دخل الجنة فرحت بذلك وسررت وإن كان دخل النار حزنت عليه حتى ألقاه فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم يا أم حارثة إنها ليست جنة واحدة أنها في جنان في الجنة وإن ابنك حارثة أصاب الفردوس الأعلى في الجنة أنهم حقا رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فلذلك أدخلهم الله الجنة بفضل إتباعهم كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من لم يغزو أو يجهز غازيا أو يخلف غازيا في أهله بخير أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة ) رواه أبو داود بإسناد صحيح
القارئ الحبيب الإسلام هو دين الأمانة والعفو والصفح الجميل ولم يبدأ مطلقا بالعدوان وإنما طلب أو طالب أتباعه برد العدوان يقول الله عز وجل ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين ) البقرة 194 وقال سبحانه ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ) النحل 126 والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل الأسرى معاملة طيبة يحسن إليهم ويطعمهم ويكسوهم ويأمر بالرفق بهم ولا يكلفهم من العمل ما لا يطيقون وهذه المعاملة لم يشهدها العالم في عصرنا الحاضر
اللهم انفعنا وارفعنا بالقرآن الكريم الذي رفعت مكانه وأيدت سلطانه ووضحت برهانه آآآمين والله الموفق لما فيه الخير والرشاد

إبراهيم عبد العزيز محمد فرج
إمام وخطيب جامع خالد بن الوليد ـ حلة السدر ـ السيب