أهمية ربط التعليم العالي بحاجات المجتمع وسوق العمل احتلت مركز الصدارة في قائمة اهتمامات حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ حيث أخذت الرؤية الثاقبة لجلالته جميع الاعتبارات المتعلقة بمسيرة التعليم في السلطنة، وما يمثله التعليم بمختلف مستوياته وتخصصاته من ركيزة في رفع أعمدة بناء الدولة العمانية العصرية من جهة، ومن جهة أخرى الأخذ في الحسبان التحولات والمتغيرات المستقبلية الناتجة عن النمو السكاني والتوسع الأفقي والرأسي في البنية الأساسية، وإقامة المشاريع التنموية العملاقة التي تحتاج إلى مواكبة ضرورية في مجال التعليم والتعليم العالي والتخصصات العلمية والفنية والمهنية. فالنمو السكاني ـ دون شك ـ يترتب عليه الحاجة إلى التوسع في أعداد المدارس والجامعات والكليات المتخصصة لاستيعاب الزيادة المطردة في أعداد الطلاب المقيدين على مقاعد الدراسة، وما سيترتب على ذلك من زيادة مطردة أيضًا في أعداد الخريجين من الجامعات والكليات والمعاهد، الأمر الذي يحتاج إلى رؤية شاملة تأخذ في الاعتبار متطلبات الحاضرة وما يحتاجه سوق العمل ويلبي حاجات المجتمع، وكذلك الأخذ في الاعتبار التحديات الحالية والمستقبلية.
واليوم غير خافٍ ما يواجه مسيرة التعليم من تحديات بدت واضحة، سواء من حيث صعوبة التوسع في أعداد المدارس لتعمل في الفترة الصباحية فقط، أو من حيث الكادر التدريسي والإداري الناتج عن جملة أسباب منها استقالات المعلمين، وعدم تعيين العدد المطلوب لسد العجز في التخصصات العلمية بالمدارس، ما يحتاج إلى فتح كليات التربية والعلوم التطبيقية في التخصصات المطلوبة لسد العجز، وتوفير الدرجات المالية اللازمة للتعيين عليها. وأما ما يواجه سوق العمل اليوم من تحديات فهو الآخر غير خافٍ؛ فمشاريع البنية الأساسية العملاقة، وقطاعات العمل في القطاع الخاص قادرة على استيعاب مخرجات التعليم والتدريب بكاملها، ما يقتضي اقتحام ساحة المهن المختلفة وهي ساحة قادرة على استيعاب أعداد هائلة من الشباب العماني المتحمس لخوض غمار الاستثمار الخاص، وريادة الأعمال، وتأسيس مؤسسات صغيرة ومتوسطة. ومع ما تبذله الحكومة من جهود مقدرة وملموسة لفتح تخصصات يتطلبها سوق العمل، ودعم أبنائنا الشباب لتأسيس مشاريع أعمال خاصة بهم أو توفير فرص عمل لهم في القطاع الخاص. وقد وفرت الجهات المعنية كل إمكانات المنافسة ومعايير الأداء وتكافؤ الفرص لبدء رحلة الألف ميل الاقتصادية على مستوى الفرد والدولة، فالقطاع الخاص هو رائد الإنجاز المستقبلي اعتمادًا على سواعد القوى العاملة الوطنية في كافة المجالات. إلا أن الطموح يبقى كبيرًا للتغلب على التحديات التي تواجه سوق العمل.
وما كشفت عنه وزارة التعليم العالي يوم أمس بأنه تم تخصيص "500" بعثة داخلية في الجامعات الخاصة لدراسة التخصصات التربوية في جامعات الشرقية ونزوى وصحار وظفار، وأن ذلك يأتي تجاوبًا مع احتياج وزارة التربية والتعليم من المعلمين والمعلمات في المجال الأول والمجال الثاني وتخصصات العلوم والرياضيات، يعد خطوة جيدة نحو مغالبة التحديات وتذليل الصعوبات وتقليل الفجوات وسد العجز في التخصصات العلمية، فدون شك أن الجميع يدرك أن أي قصور تواجهه العملية التعليمية ستكون له آثاره على مستوى التحصيل الدراسي ومستوى المخرجات التعليمية.
إن المقاعد المطروحة للعام الأكاديمي 2018/2019م التي أعلنتها وزارة التعليم والبالغ عددها حوالي 29 ألفًا و226 مقعدًا دراسيًّا في مختلف مؤسسات التعليم العالي الحكومية والبعثات الداخلية والمنح المقدمة من القطاع الخاص للدراسة في مؤسسات التعليم العالي الخاصة والبعثات الخارجية ومنح الدول الشقيقة، هو رقم جيد، إلا أن التنمية الطلابية الحاصلة بصورة سنوية تحتاج إلى زيادة عدد المقاعد الدراسية، وهذا في تقديرنا ما تعمل عليه الجهات المعنية. كما أنه يعد من الأهمية بمكان، ما أكدته الوزارة وبالتنسيق مع وزارة التربية والتعليم بأن كلية التربية بالرستاق ستستمر في طرح عدد من المقاعد الدراسية المخصصة فقط للطلبة من القرى البعيدة في مختلف محافظات السلطنة بهدف توطين الوظائف الدراسية بهذه القرى، وإعداد معلمين من سكان المناطق إلى جانب قيام الكلية بتقديم برامج تربوية في تخصصات العلوم "الكيمياء، الفيزياء، الأحياء" والرياضيات واللغة الإنجليزية بشكل عام، وهذا يعد معالجة جيدة لطلبات النقل التي تمثل تحديًا لوزارة التربية والتعليم وللمعلمين ولأولياء الأمور، بسبب أن من يقومون بعملية التدريس في المناطق البعيدة من غير أبنائها، ويرغبون في الانتقال إلى العمل في مناطق سكناهم أو القريبة منها ويلحون في ذلك.