من بعيد لاح لي منظر شاب تكسو ملامحه سمات الصالحين ونقاء العابدين، يحمل في يديه عروضا خاصة لعشاق السفر ومحبي السياحة، زاد شوقي لأقرأ العروض التي ستطرح، هببت كعاصفة أتمعن في هذا العرض الرائع (رحلة ممتعة، ومقعد من الدرجة الخاصة، مع توفير جميع السبل المعينة على الاستمتاع والترفيه) سجلت اسمي في هذه الرحلة وقد زاد لهيب الشوق إلى حين موعد المغادرة قبيل غروب الشمس ستنطلق الطائرة، بدأت أحزم أمتعتي وأشد حقيبة سفري أخبأ داخلها كل ما يلزمني.
الآن سنحلق في سماء الكون.. سماء نقية صافية من الأدخنة والأبخرة المزعجة، كلما صعدنا للأعلى شاهدنا مناظر لا تخطر في البال من حدائق غناء، وأنهار جارية، ما أبهى طلة هذه المناظر الخلابة التي شغفت لهيب الشوق للوصول إلى مقصدن.
وصلنا بفضل الله ومنته إلى مبتغانا ولكن منعنا من الدخول إلا بوجود شهادة تثبت صلاحية أعمالنا الماضية، بدأنا نراجع حسابتنا كم من صلاة حضرت فيها أرواحنا لتقبل؟! وكم من نفقة أخلصنا فيها لله تعالى فوضعناها في موضعها الصحيح؟! وكم من رحم وصلنا؟ وكم من معروف للوالدين أسدينا ؟ وكم من آية من كتاب الله تدبرنا ؟! طأطأت وجهي خجلا من ذنوب أرهقتني وكروب أحاطت بي وعيوب سترت لا يعلمها إلا خالق الروح والجسد ماذا عساني أقدم لأرتقي في العلا قرب الذين اصطفاهم الله من النبيين والشهداء والصالحين.
أخرجنا من حقائبنا أورقا صافية وبدأنا نسجل عليها قراراتنا في الأيام المقبلة سنخضع ونخشع في صلاتنا وننفق من أحب ما لدينا، سنصل رحمنا ونحسن إلى جارنا ونزور مريضنا وندع لمهمومنا ونحسن لوالدينا.. ستكون حياتنا الآتية خيرا من الماضية بكثير لا من كثرة أعمال نفعلها بل من إخلاص لله وحده مع دوام ما عزمنا فعله، رجعنا وقررنا أن نمحو من حياتنا كل الأشواك التي تحيط بنا طمعا في رضا الله تعالى والفوز بدخول النعيم الدائم، لن نيأس مهما ألم بنا الفتور، همتنا كالجبال بل أقوى واعلى، صامدين رغم الأسى رغم الذنوب والأذى سنكتب قصة حياة معطرة بعطر فواح لأننا قررنا أن نتحرك بأعظم آية "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

أم عمر منى بنت حمد الزيدية