”.. ليس دفاعا عن المجتثين الذين أبعدتهم هيئة المساءلة والعدالة عن المشاركة بالانتخابات بالذرائع التي ذكرناها، نقول لهم لستم الوحيدين ضحايا قرارات الإقصاء والإبعاد، وإنما المقصود بهذه القرارات هم دعاة الدولة المدنية العابرة للطائفة والعرق إلى فضاء دولة القانون ووقف فوضى السلاح وتغوله بالمجتمع.”
[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]
عاد مقص الاجتثاث والإقصاء من جديد ليشمل هذه المرة مرشحين للانتخابات العراقية، في مشهد يعيد إلى الأذهان عمليات الإقصاء والانتقام السياسي التي طاولت الملايين وعوائلهم التي جرت بعد غزو العراق واحتلاله.
هيئة المساءلة والعدالة التي ترفع المقص انتهت من تدقيق أسماء كل المرشحين وأرسلتها إلى مفوضية الانتخابات، مستبعدة مئات المرشحين من السباق الانتخابي، فيما استدعت أكثر من 600 مرشح للتحقق من صحة بياناتهم وفحص وتدقيق سجلاتهم الشخصية.
ويتنافس على 325 مقعدا في البرلمان نحو 7132 مرشحا أحالتهم المساءلة والعدالة إلى لجانها الفرعية للتأكد من عدم شمول المرشحين بإجراءاتها، وتستند الأحزاب المتنفذة والمتمسكة بسلطة القرار السياسي بقانون شرعته بحرمان المحسوبين على النظام السابق بالمشاركة في الحياة السياسية استنادا إلى أحكام المادة (135) من الدستور باجتثاثهم بالتنسيق مع السلطة القضائية والأجهزة التنفيذية.
ويسود الاعتقاد على نطاق واسع أن إجراءات الاجتثاث لا ترتبط بمفهوم العدالة، وإنما تحولها إلى أداة مصممة لإزاحة المنافسين السياسيين والثأر من المناهضين للنهج الطائفي والفساد الذي ينخر المجتمع.
ولم نفاجأ بقرارات الاجتثاث التي طالت مئات المرشحين للانتخابات، وإنما فوجئنا بردة فعل هؤلاء المستبعدين الذين انطلت عليهم ما يسمى بقواعد اللعبة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.
فهؤلاء المستبعدون هم على لائحة الإقصاء والحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية الذين انخرطوا في العملية السياسية، وساهموا في صياغة الدستور لم يفلتوا من دائرة الانتقام السياسي، فتحولوا من شركاء إلى أعداء استوجب إبعادهم عن المشهد السياسي بأي ثمن وتحت أية ذريعة كانت.
والمفارقة في هذا المشهد الانتخابي أن جريرة المجتثين هي صلتهم بالنظام السابق، في حين أباح أطراف العملية السياسية لأنفسهم التعاون والتنسيق مع دول خارجية والاستقواء بالأجنبي فحولوا العراق إلى بلد منكوب تنخر جسده الطائفية والفساد والجهل والبطالة.
وعندما يتحول العراق إلى هذا الواقع الذي يعيشه وتتفاقم مشاكله على جميع الأصعدة من دون أفق للحل ينبغي إخضاع الذين تسببوا في هذا المأزق لنفس المعايير والإجراءات المطبقة بحق المجتثين.
وليس دفاعا عن المجتثين الذين أبعدتهم هيئة المساءلة والعدالة عن المشاركة بالانتخابات بالذرائع التي ذكرناها، نقول لهم لستم الوحيدين ضحايا قرارات الإقصاء والإبعاد، وإنما المقصود بهذه القرارات هم دعاة الدولة المدنية العابرة للطائفة والعرق إلى فضاء دولة القانون ووقف فوضى السلاح وتغوله بالمجتمع.
وكشف هذا النهج الإقصائي والتشبث بالسلطة زيف ادعاءات تحقيق المصالحة الوطنية، ومشاركة جميع مكونات العراقيين في تقرير مصير الوطن ومداواة جراحه, فهذا النهج الخطير أدخل العراق في المجهول وعدم الاستقرار، وسيبقى على هذا الحال ما دامت الطبقة السياسية التي استقوت بشماعة تصفية الخصوم ومصادرة حقوق المواطنة ماضية في هذه الإجراءات التي ستؤدي حتما إلى طريق مسدود من دون افق للحل، خصوصا وأنهم لا يتحملون حتى المعارضين في إطار قواعد اللعبة الديمقراطية الذين كانوا شركاء لهم على مدى السنوات الماضية.
وإزاء هذا الواقع المرير الذي يعيشه العراق قبيل الانتخابات أصبح المطلوب من المشمولين بقرارات المساءلة والعدالة أن يقدموا استرحامات مذلة مشفوعة بشهادات حسن السيرة والسلوك لجهة تحولت إلى أداة للتسقيط السياسي، ومقص ظالم لمصادرة حقوق المواطن وحرمانه من أبسط تلك الحقوق.