”إننا عربيا ما زلنا نحبو في الاهتمام بالتنمية المستدامة 2018 - 2028 من أجل تحقيق الأهداف الإنمائية المتعلقة بالمياه, ولكن من الإنصاف الإحاطة ببعض الجهود وفي مقدمتها جهود سلطنة عمان، ويكفيها من ذلك أن مركز الشرق الأوسط لأبحاث تحلية المياه يتخذ من العاصمة مسقط مقرا له.”
[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
متى يمكن إحراز تقدم ميداني عربي حقيقي في مضمار حماية الثروة المائية من أجل التنمية المستدامة؟
ضرورة هذا السؤال انطلاق فعاليات العقد الدولي في مدينة نيويورك للعمل بموجب هذا السؤال وتحت هذا العنوان حصريا, وإذا كانت تلك الضرورة تفرض علينا إجابات محددة في الوطن العربي فإن من أول المتطلبات تحقيق مستويات ثلاثة للإفادة من الثروة على أساس 1- التنمية الاقتصادية 2- حفظ موارد الطبيعة والبيئة 3- التنمية الاجتماعية التي تأخذ بنظر الاعتبار التعاطي مع هذه الثروة بروح المسؤولية التنموية، وضمن أساس لازم للاندماج العربي وصولا وتسهيلا للاندماج العالمي في هذا الشأن.
إن المشاركة العربية في ذلك ما زالت مع الأسف تعاني التباين بينها بما يكرس التشرذم الذي وضعنا أمام خسائر اقتصادية إضافية لما نحن عليه الآن من تلكؤ وتقصير وتجريب وضياعات في الجهد والوقت والرصيد المالي, والكف عن الإفلات من متطلبات التكامل الاقتصادي العربي في موضوع المياه, أعني الإفلات الذي توحش وتربى واستطال ضمن مذابح الخصومات السياسية وشيخوخة جامعة الدول العربية, إن لم نقل الموت السريري الذي تعاني منه إزاء الثروة المائية والثروات الطبيعية الأخرى التي لا تعرف عنها هذه المؤسسة القومية إلا ما يعرفه أمينها عن المعلقات الشعرية السبعة, إضافة إلى شرور نكايات وتنكيل وتشف أصبحت (جسرا) مفتوحا للعلاقات بين أغلب الدول العربية.
أذكر أنني تطرقت إلى موضوع الثروة المائية العربية في إطار سؤال (متى يعلن العرب عطشهم)، وأجبت عن ذلك في مقالة نشرت لي على "الوطن" الغراء وتحديدا في صفحة آراء قبل عدة سنوات، وكانت محركات ذلك المقال تقرير صدر عن خبراء في الأمم المتحدة أشاروا إلى أن الحروب المقبلة ستكون بعض أسبابها شحة المياه وما يقع تحت عناوين المياه الإقليمية لهذا البلد أو ذاك.
على أي حال، العرب أمام استحقاقات من هذا النوع في الوقت الحاضر, ولنأخذ الموضوع من مستويات التنمية الثلاثة التي أشرنا إليها مقدما, أي التنمية الاقتصادية ليتأكد لأي باحث أن الربط بين الحاجة إلى الماء والتنمية المستدامة لم يأخذ طريقه حتى الآن وفق آليات تطبيقية مقبولة, أما بشأن المستوى الثاني, حفظ الموارد الطبيعية، فلنا أن نستعرض الهدر الفاجع لاستخدامات المياه ابتداء من الاستخدام المنزلي السيئ جدا إلى الهدر بالمياه الزراعية ضمن توافر يومي للاستهلاك المفتوح بدون أي ضوابط معروفة للترشيد, فضلا عن أن أراضي عربية زراعية واسعة (انضمت) إلى المناطق الصحراوية بمعدل خمسة كيلومترات سنويا في العراق وحده، ويعود ذلك إلى ضآلة المستوى الثالث؛ أي الاجتماعي في النظرة إلى متطلبات التعامل مع المياه على أساس أنها ثروة ناضبة إذا لم يُحسن استهلاكها.
وإذا كنا نعيش في المنطقة العربية المزيد من البكائيات على الهدر بالوقت وبالأموال بالأولويات السياسية والأمنية فإن الهدر بالمياه بات لازمة عربية بامتياز على وفق دراسات ميدانية أصلا, ففي العراق مثلا يصل الهدر إلى 39% من كميات المياه التي تُضخ للاستخدامات المنزلية، وهناك هدر أبشع وأكثر خسارة يتمثل في الاستخدام الزراعي وما ترتب عليه من بروز لصوص ماء يسطون على حصص المياه الزراعية ليلا بواسطة مضخات، ما أدى إلى صراعات بين القبيلة الواحدة في المنطقة الريفية أو بين قبائل, وما زال أوار تلك الصراعات مستمرا، إضافة إلى تمادٍ تركي في التحكم بمجرى نهري دجلة والفرات ليس فقط في إقامة سدود عملاقة لتقليل المياه المتدفقة لسوريا والعراق، وإنما أيضا تستخدم المياه سلاحا لابتزاز هذين البلدين العربيين على وفق شواهد ميدانية، وكذلك هناك حال مشابه في السودان بعضه يتمثل في الصراع بين قبيلتي المسيرية والدينكا.
الخلاصة, أننا عربيا ما زلنا نحبو في الاهتمام بالتنمية المستدامة 2018 - 2028 من أجل تحقيق الأهداف الإنمائية المتعلقة بالمياه, ولكن من الإنصاف الإحاطة ببعض الجهود وفي مقدمتها جهود سلطنة عمان، ويكفيها من ذلك أن مركز الشرق الأوسط لأبحاث تحلية المياه يتخذ من العاصمة مسقط مقرا له, كما يكفي السلطنة أيضا أن هناك برنامجا تنمويا قيد التنفيذ للحفاظ على ثروة المياه فقد تم إنجاز 168 سدا حتى الآن لتقليل الضياعات في المياه السطحية وترشيد استخدام المياه الأحفورية (الجوفية) والسعي إلى إيجاد مرجعية للتنمية المستدامة وفق آليات الإفادة القصوى من المياه الطبيعية أو المحلاة بدون أي هدر.