[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” لقد اكتسب في يومه هذا الكثير من المال، والتقى بالعديد من الناس، وأجرى بعض المكالمات الهاتفية، وأنجز معاملات مختلفة، اختلف واتفق مع آراء كثيرة طرحت أمامه وعليه، وافق وصادق على قرارات ورفض وأجل أخرى، تلقى تعليمات وتوجيهات من مصادر عليا، ويضاف إليها مااكتنف وشاب مسلكه ومأكله ومشربه وما جادت به قريحته من أفكار وما أهدته له من مخارج ومداخل،”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه الخطوات المندفعة التي يخطوها بهذا الإيقاع المتسارع والحماسة المتقدة والنشاط الأقرب إلى الانفعال والشطط، إلى أين تقوده يا ترى وإلى أي نقطة أو محطة سترمي به ؟ وما المواقع والأماكن التي سوف يعبرها في مسيره؟ وما العقبات والتحديات التي سيواجهها قبل وصوله إلى تحقيق الهدف والمبتغى ؟ هل هي خطوات تقوده إلى المجهول أم إلى نقاط وأهداف معروفة ومدروسة ومرسومة ومخطط لها ؟ هل خيرا ما يسعى إليه أم شرا ؟ مع اتساع المصطلحين لتفاصيل التفاصيل واستيعابهما لما هو خاص وعام، مخفي وظاهر، آني ومؤجل، مادي وروحي، دنيوي وأخروي... وما هو خير في ظاهره حسبما تنظره العين وتكشف عنه الشعارات قد يحمل الشر في باطنه والعكس صحيح، وللإنسان مدارك وطبائع ورؤى ويمتلك وسائل وأدوات وخيارات مختلفة وأمامه مؤشرات وبيانات عليه أن يستخدمها ويوظفها ويستعين بها في عمليتي الرصد والكشف عما تخبئه الأحداث والنتائج، وأن يجد ويجتهد في ذلك لحماية نفسه من الوقوع في الفخاخ، قد تقوده شهواته وضعف عزيمته وأهوائه وتسرعه إلى الشراك، وقد تلحق خطواته تلك مع ما سيرافقها من أفعال وأقوال وقرارات ونتائج وآثار الضرر بالآخرين، فإن ظهرت له بعض المؤشرات المنبئة عن إمكانية حدوث هذا الضرر، فهل سيظهر بمظهر الحريص على عدم الإضرار بمصالح الآخرين وإن تعارض ذلك مع مصالحه الخاصة؟ هل سيعمل بصدق على الحفاظ على مصالح العموم وضمان عدم المس بها وسيقدمها على مصالحه الخاصة؟ هل نزواته وأهواءه وشهواته وعواطفه ونظرته القاصرة إلى الأمور والمسائل المرتبطة بها هي من سيتغلب وستقود خطواته وتقر أفعاله، أم أن إيمانه وحكمته ونظرته العقلانية ومشاعره الإنسانية وما اكتسبه من علوم ومثل وتجارب هي المتحكم والضابط لتصرفاته وأعماله؟ هل يمتلك معايير واضحة وأسسا دقيقة ومهارات كافية وثقافة واسعة ورؤى سليمة يميز بها الخير من الشر، الصلاح من الفساد؟ وإن توفرت فهل ستمكنه من تبين الطرق والمسالك والتقاطعات التي تصطدم فيها المصالح العامة بالخاصة، وإدراك ما فيه فساد الإنسان وما فيه صلاحه لا في المظهر والشكل وإنما في المخبر والعمق واللب والمضمون؟ .. لقد اكتسب في يومه هذا الكثير من المال، والتقى بالعديد من الناس، وأجرى بعض المكالمات الهاتفية، وأنجز معاملات مختلفة، اختلف واتفق مع آراء كثيرة طرحت أمامه وعليه، وافق وصادق على قرارات ورفض وأجل أخرى، تلقى تعليمات وتوجيهات من مصادر عليا، ويضاف إليها مااكتنف وشاب مسلكه ومأكله ومشربه وما جادت به قريحته من أفكار وما أهدته له من مخارج ومداخل، كل ذلك وغيره الكثير من العناصر والجزئيات والتفاصيل التي يجريها ويحدثها ويفعلها ويقوم بها الإنسان لتسيير شئون حياته وتوفير متطلباته وتحقيق أهدافه والقيام بواجباته ومسئولياته الوظيفية وتحسين أحواله وممارسة شعائره الدينية، هذا الزخم من الحراك والنشاط والاندفاع المتمثل في كم هائل من الأفعال والأقوال وتوالد مكثف للأفكار والنوايا التي يجد بعضها طريقه للتنفيذ، آخذة معظم الوقت تفكيرا وممارسة قد تجره - أي الانسان - إلى مسالك وطرق غير راشدة وإلى استخدام وسائل وأدوات غير محمودة فيما لو أهمل نفسه وانصرف عن حالة التفكر والتدبر والتقييم المفضية إلى المراجعة والإصلاح والتجويد والتحسين فالمغريات والأهواء والنفس الأمارة وقرناء السوء وحالة النسيان والأفكار المنحرفة التي تتصيد الآخرين جميعها فخاخ وشراك تستهدف الإنسان وتستدرجه وتجره إلى المهالك وتعصف به وتعريه من قيمه ومثله وأخلاقياته ومعانيه الإنسانية الجميلة .. أمام هذه الصور والمشاهد المكثفة التي تحيط به وتفرض عليه اتخاذ جملة من القرارات والأفعال، يصبح من الضروري معها أن يعطي لنفسه فسحة من الوقت للنظر والتدبر والحوار الصريح وطرح تلك الأسئلة وضمان الحصول على إجابات واضحة عليها لتقييم أعماله والارتقاء بقراراته وتطوير ثقافته وأفكاره والاستفادة من أخطائه في التصحيح والإصلاح والتجويد .

سعود بن علي الحارثي
[email protected]