[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]
” من ابرز واهم الأسباب التي تجعل سلطنة عمان من بين تلك الوحدات السياسية الدولية التي ستقع في قلب عاصفة التقلبات والتجاذبات العابرة للحدود الوطنية خلال مقبل السنوات موقعها المحوري والاستراتيجي سواء البري او البحري الذي يجاور او يقع بالقرب من العديد من خطوط العنف والصراعات الاقليمية ذات المستوى المرتفع في الخطورة كما هو الحال في اليمن على سبيل المثال. ”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سنتناول في هذا الجزء من الدراسة بعض التطبيقات المتعلقة بالنموذج العماني على الانعكاسات الدولية, حيث تعد سلطنة عمان من النماذج الواضحة في النظام العالمي على تلك الدول التي من المؤكد أنها ستتأثر مع الوقت بتلك الانعكاسات والمتغيرات الحاصلة على مستوى السلطة والنفوذ وتوازن القوى الدولية سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو أمنية او عسكرية. وكذلك بتطور السمات والخصائص وتحديات وتعقيدات النظام الدولي الراهن.
ومن ابرز واهم الأسباب التي تجعل سلطنة عمان من بين تلك الوحدات السياسية الدولية التي ستقع في قلب عاصفة التقلبات والتجاذبات العابرة للحدود الوطنية خلال مقبل السنوات موقعها المحوري والاستراتيجي سواء البري او البحري الذي يجاور او يقع بالقرب من العديد من خطوط العنف والصراعات الإقليمية ذات المستوى المرتفع في الخطورة كما هو الحال في اليمن على سبيل المثال. كما انها تجاور دولة ذات علاقات متوترة مع بعض القوى الاقليمية والدولية, اقصد الجمهورية الايرانية, والتي لا يستبعد ان تصل درجة التوتر معها إلى مرحلة الازمة والصراع العسكري.
كما ان سلطنة عمان تشرف على احد اهم المضائق الدولية ذات الأهمية الاستراتيجية لمصالح العديد من القوى الدولية وهو مضيق هرمز. حيث تختلف اهمية المضيق بحسب النظرة الجيوسياسية والجيواستراتيجية اليه من قبل تلك الدول, ما بين اعتباره (المجال الحيوي للاستيراد والتصدير والمنفذ الوحيد للخليج العربي, وهو بالنسبة لإيران يمثل حدودها الجنوبية وخاصرتها الامنية والاقتصادية. كما يراه الاتحاد السوفيتي السابق " روسيا حاليا", المجال الأمني لحدوده الجنوبية وحلقة وصل للدول المطلة على الخليج العربي, اما بالنسبة للدول الأخرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا الغربية واليابان فللمضيق اهمية اقتصادية عظمى لكونه اكبر منطقة منتجة ومخزنة للطاقة). كما تنظر اليه دول المنطقة خصوصا دول مجلس التعاون الخليجية على انه امتداد لأمنها القومي.
يضاف إلى ذلك تلك الاستثناءات السياسة للسياسة الخارجية العمانية والتي يقع على رأسها تبني سياسة مثالية اخلاقية وكذلك تبني مبادئ سياسية محافظة على علاقاتها مع جميع دول العالم خصوصا تلك الدول التي ينظر اليها نظرة عداء اقليمي. كما هو الحال مع ايران على سبيل المثال دون قطيعة او توتر او حتى فتور في العلاقات الدبلوماسية. ما جعل منها نموذجا اقليميا مغايرا لسياسات وتوجهات ومصالح بعض دول المنطقة. الأمر الذي سيتبعه بطبيعة الحال تدفق سيل من الاتهامات والشكوك وربما بداية نوع من العداوات المبطنة لها مع الوقت. وتنشأ هذه التناقضات غالب الأحيان في التوجهات السياسة الخارجية للدول كنتيجة طبيعية لاختلاف وتناقض المصالح السياسية والجيوسياسية ومحاولات التكيف مع طبيعة القوة والسياسة في القرن 21 انطلاقا من مبدأ الاعتمادية سالف الذكر).
وقبل تناول مربع التأثير سالف الذكر على سلطنة عمان, وجدنا من الأهمية التطرق إلى بعض اهم تلك السمات والخصائص التي يتميز بها النظام العالمي القائم على التشكل خلال الفترة من العام 2001م – 2018م ومن المؤكد بأنها ستشكل هياكل بناء النظام العالمي في القرن 21, كما انها ستؤثر على الاستقرار الوطني والأمن الإقليمي العماني, وبالتالي من الضرورة دراستها بشكل جيد وقراءة اثارها وانعكاساتها بكل مهنية واحتراف ودقة , وتلك السمات والخصائص وتحديات النظام الدولي الراهن هي :-
1- زيادة عدد الفاعلين الدوليين في النظام وتوزع القوة بينهم : يلاحظ ان النظام العالمي الراهن يسير باتجاه ما يطلق عليه بنظام حكم الكثرة او التعددية القطبية الفضفاضة في احسن حالاته, ما يجعل منه نظام سريع التقلبات والصداقات والعداوات وكذلك مرتفع الخطورة نظرا لكثرة الفاعلين والمؤثرين فيه , يضاف الى ذلك مستويات القوة المتقاربة بين العديد من اولئك الفاعلين الدوليين بسبب وجود الثروة والمال أو التطور التكنولوجي العسكري أو شركاء اقوياء قادرين على الدعم وصناعة التوازن في مستويات تلك القوة وتوزيعها كما هو الحال مع المثال الكوري والصيني والشراكة القطرية التركية على سبيل المثال لا الحصر.
ويثير ارتفاع عدد الفاعلين في النظام الدولي العديد من التحديات والعقبات الدولية تكمن احدى هذه المشاكل بل وأخطرها في صعوبة التوصل إلى حل للأزمات الدولية, ومن ابرز الأمثلة الحاضرة على ذلك هو الملف النووي الكوري الشمالي والملف النووي الايراني نتيجة تضارب المصالح وارتفاع عدد الفاعلين على صعيد هذا الملفات. بل وللأسف الشديد فإن احتمالات بروز مشاكل دولية خطيرة حتى بعد التوصل إلى اتفاق دولي وارد كثيرا, والدليل على ذلك ما يجري اليوم على صعيد الملف النووي الايراني" 2018 " ومساعي الولايات المتحدة الاميركية للانسحاب من الاتفاق النووي الموقع مع ايران في العام 2015م.
وهو ما يجعل من ضرورة اهمية دراسة تلك التغيرات على صعيد تلك القوى الدولية والفاعلين ضرورة ملحة بالنسبة لسلطنة عمان, فكلما تمكنت الجهات ذات الاختصاص من رصد وحصر تلك القوى الدولية ومستقبل الفاعلين المؤثرين على رقعة الشطرنج العالمية كلما سهل عليها التعامل معهم من جهة واحتواء توجهاتهم ومخاطر طموحاتهم ورغبات الهيمنة ولنفوذ والسلطة القوة لديهم في حدود ونطاق المصالح العمانية. كما يمكن ان تساهم دراسة تلك المتغيرات والتحولات الحاصلة على صعيد الفاعلين الدوليين من فهم بعض التحركات السياسية والعسكرية التي يمكن ان يقوم بها اولئك اللاعبين على رقعة الشطرنج الدولية.
2- تزايد الصراعات والنزاعات العابرة للحدود الوطنية: يعد الشرق الأوسط من اكثر مناطق العالم سخونة واضطراب وفوضى, بل يمكن القول انه مركز اغلب الاضطرابات وعواصف التقلبات السياسية والامنية الدولية, ولا شك ان ذلك يجعل من دوله في حالة من الخوف الدائم من اي اشتعال او صدام محتمل, وبكل تأكيد تعد سلطنة عمان واحدة من تلك الدول التي كما سبق واشرنا تقع في قلب دائرة العنف والصراعات في المنطقة, ما يرفع من اهمية دراسة حالات الصراع والنزاعات الاقليمية والدولية بالنسبة لها, وذلك بهدف احتواء اكبر قدر ممكن من مخاطر وعواقب واثار تلك الصراعات والنزاعات العابرة للحدود الوطنية على استقراراها الوطني وامنها القومي. ومن ابرز تلك الأمثلة على النزاعات القابلة للتمدد وتشكيل مخاطر ذات مستويات مرتفعة على الأمن الوطني والاستقرار القومي للدولة العمانية ملف الصراع في اليمن وكذلك الملف النووي الايراني.
3- عولمة القضايا خصوصا الأمنية منها والعسكرية والسياسية والاقتصادية: من ابرز الدلائل على ذلك ملف الإرهاب وظاهرة التسلح العالمي والتدخلات الأمنية والإنسانية على سبيل المثال لا الحصر, حيث يلاحظ ان تلك الملفات قد تحولت إلى ملفات عالمية التأثير والانعكاسات, وبمعنى اخر, ان تفجير ارهابي قد يقع في دولة اوروبية من المؤكد ان ارتداداته ستصل الى مختلف قارات العالم, كما ان تدخل دولة من دول الاتحاد السوفيتي السابق في سيادة دولة مجاورة لها ستمتد اثاره وانعكاساته على الولايات المتحدة الاميركية والشرق الأوسط نظرا لارتباط المصالح الاستراتيجية وتوسع دائرة الشراكات والصداقات والتحالفات انطلاقا من مبدأ التبادلية والاعتمادية في العلاقات الدولية.
ومن هذا المنطلق فإن لعولمة تلك الملفات سالفة الذكر على سبيل المثال لا الحصر دورا بالغا في التأثير على الاستقرار الوطني والأمن القومي العماني, خصوصا اذا ما تم ربط العديد من تلك القضايا الإقليمية الراهنة بتغيرات السلطة والنفوذ وتحولات توازن القوى الدولية, وكذلك عولمة الأمن كما هو الحال في ملف الارهاب " تنظيم القاعدة انموذجا "أو الارهاب الرقمي كذلك, ما يدفع إلى ضرورة واهمية دراسة تلك القضايا ذات البعد العالمي, وتحديدا جانب تأثيراتها وانعكاساتها على الداخل العماني والأمن والاستقرار الوطني.