[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
ثلاثة مواقف لافتة تسلط الضوء على مشهد مخطط التآمر الصهيو ـ أميركي ـ غربي ـ إقليمي على المنطقة المسمى كذبًا وزورًا "الربيع العربي" على خلفية إحياء الشعب الفلسطيني للذكرى الثانية والأربعين ليوم الأرض التي توافق الثلاثين من مارس، حيث شهد هذا اليوم من عام 1976 انتفاضة فلسطينية ضد الظلم والقهر والتمييز العنصري، والنازية الجديدة الإسرائيلية.
الأول: إخراج مجلس الأمن الدولي من المعادلة بإفشال الولايات المتحدة الهدف من انعقاد جلسته الطارئة المغلقة الجمعة الماضية بعرقلة صدور بيان يدين المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي عن سبق إصرار وترصد بحق الشعب الفلسطيني المنتفض سلميًّا في ذكرى يوم الأرض، حيث أوقعت قوات الاحتلال ستة عشر شهيدًا وحوالي ألف وخمسمئة جريح، وفي تأييد أميركي صريح لهذه المجزرة أنحت واشنطن باللائمة على الفلسطينيين، محمِّلةً إياهم السبب، متجاهِلةً بصورة تامة الاستعدادات الإسرائيلية قبل حلول الذكرى بحشد قواتها ودباباتها وطائراتها الحربية، ونشر القناصة وإعطائهم الأوامر بالاستهداف المباشر لكل فلسطيني يقترب من السياج الحدودي حاملًا علم وطنه، معبِّرًا في هذه الذكرى عن ما يكابده من ظلم وحصار خانق وقهر وجرائم حرب وإبادة، واعتقال تعسفي وتهجير قسري، وكأن لسان حال الولايات المتحدة يقول لحليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الإسرائيلي أخرسوا بكل ما أوتيتم من قوة كل صوت ونَفَس مقاوم فلسطيني وكل صرخة مدوية فلسطينية تحتج على التمييز العنصري الإسرائيلي، أو تسلط الضوء على النازية الإسرائيلية الجديدة.
فإصرار الولايات المتحدة وبإسناد بريطاني واضح على إفشال جلسة مجلس الأمن وعرقلة صدور بيان أو قرار يدين مجزرة التي ارتكبتها وحشية النازية الجديدة، يؤكد انحياز المنظمة الأممية بكاملها إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي والدفاع عن احتلاله وجرائم حربه ونازيته حين لم يستطع مجلس أمنها استصدار بيان إدانة هو من صميم عمله لوقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني الأعزل، ولتأكيد حق هذا الشعب في الحياة واستعادة كل ما سلب منه.
إن وضعًا كارثيًّا ووحشيًّا مثل هذا الذي تمارسه آلة الحرب والإجرام لدى كيان الاحتلال الإسرائيلي ضد شعب أعزل وتعجز منظمة عن التدخل لمنعه بموجب مواثيقها، فإن هذا يعطي مؤشرًا خطيرًا على أن منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن قد تجاوزا عمرهما الافتراضي، وأصبحا آليتين غير مناسبتين لتحقيق السلام والأمن في العالم الذي أمسى في حاجة ملحة إلى نظام جديد يرسي مبادئ العدل والمساواة في الحقوق والواجبات، ويحول دون سيطرة وتحكم الكبار في مصائر من لا حول لهم ولاقوة.
الثاني: الإشادة اللافتة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي ممثلة في بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وأفيجدور ليبرمان وزير الحرب الإسرائيلي، بجيش الاحتلال وما قام به من مجازر وجرائم ووحشية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل والمنتفض سلميًّا. فهذه الإشادة جاءت إثر إخفاق مجلس الأمن الدولي في استصدار بيان الإدانة، وهو ما ضاعف حالة الانتشاء لدى النفس الإسرائيلية المتوحشة والمتعطشة لدماء الفلسطينيين والعرب، ويؤكد أيضًا ما ذكرناه آنفًا وهو انحياز المنظمة الدولية الكامل للاحتلال الإسرائيلي والتستر على جرائمه، فأعطى الإخفاق والدور الأميركي والبريطاني ـ مضافا إليهما الوضع العربي المهلهل ـ ضوءًا أخضر لكيان الاحتلال الإسرائيلي للاستمرار في جرائم الإبادة والتنكيل، ونهب ما تبقى من حقوق الشعب الفلسطيني.
الثالث: غياب حدث ذكرى يوم الأرض عن شاشات فضائيات التصقت بالهوية العربية، وهو غياب بدا لافتًا عكَس حالة التردي والانحطاط والرجعية التي تمر بها المنطقة بسبب سياسات مراهقة وخائنة وعميلة، وأثبتت ما يدور في الكواليس وخلف الإعلام عن تحالفات وتوافقات وانسجام تام نحو استكمال تحقيق مشروع الحلم التلمودي بقيام المستعمرة الكبرى المسماة "إسرائيل" عاصمتها القدس المحتلة، وتصفية القضية الفلسطينية والبحث عن وطن بديل للشعب الفلسطيني، وكذلك أكد التواطؤ فيما يروج له الصهاينة والأميركيون وهو ما يسمى "صفقة القرن".
والحقيقة التي لا بد أن ينصف بها الشعب الفلسطيني هي أنه على الرغم مما حاكته المطابخ الاستخباراتية الصهيو ـ أميركية ـ غربية إقليمية من مؤامرات ضد المنطقة، وإحالتها إلى فتات طائفي مذهبي متناحر، ورغم ما استثمرته من أموال طائلة وإرهاب غير مسبوق ووقود بشري هائل وزخم إعلامي ضخم لتأمين بقاء كيان الاحتلال الإسرائيلي القوة الأوحد والتي لا تقهر في المنطقة، وسرقة فلسطين كل فلسطين، فإن مشاهد إحياء الشعب الفلسطيني للذكرى الثانية والأربعين ليوم الأرض كانت كفيلة بتأكيد الثابت بأن كل ما استثمر لتدمير المنطقة وتخريبها وتمزيق الدول ذات الطابع المقاوم، وقتل الثوابت الوطنية الفلسطينية لدى الفلسطينيين والعرب كتحرير الأرض وحق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس، هو استثمار خاسر، وسيرتد وبالا وعارا على كيان الاحتلال الإسرائيلي وأعوانه وعملائه وأدواته في المنطقة وخارجها، فالشعب الفلسطيني هو شعب خلاق وصبور وذو ثقافة مقاومة عريقة وممتدة وخبرة طويلة.

خميس بن حبيب التوبي
[email protected]