في غمرة الإنجازات التي يوالي تحقيقها الجيش العربي السوري في مدينة الغوطة الشرقية، وتطهيرها من آفة الإرهاب التي استحكمت فيها وفي أهلها وأرزاقهم ومصيرهم وحياتهم، وجعلتها أطلالًا، جاء قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب برغبته في انسحاب قوات بلاده من سوريا مفاجئًا لأشد المتفائلين بإمكانية أن تخطو الولايات المتحدة في عهده خطوة أخرى بشن عدوان على العاصمة دمشق، وإعادة سيناريو ضربة قاعدة الشعيرات العسكرية، خصوصًا بعد التغييرات الجذرية في إدارته بالإتيان بمن يوصفون بـ "الصقور".
إن هذا القرار ليس له في الواقع ما يثبته ويؤكده، ويعد واحدًا من القرارات الملتبسة والمتداخلة والمتناقضة كحالة تتصف بها إدارة ترامب، وبالتالي فهو لا يزال بحاجة إلى دليل ميداني وواقعي يثبت صحته، وحتى تحين اللحظة التي يمكن أن يرى فيها العالم مصداقية القرار من عدمه، فإن سيلًا من التحليلات سيكتب على الصحافة العالمية والعربية، ويسكب على شاشات الفضائيات، وهل القرار يدخل في سياق المناورة أم في الاعتراف المبكر بالهزيمة في سوريا؟
في الحقيقة لم يخفِ الأميركي أطماعه الاستعمارية في سوريا ومخططه ضدها لتقسيمها مراهنًا في ذلك على أدواته، سواء تلك المتمثلة في تنظيمي "داعش والنصرة" الإرهابييْنِ وما انضوى معهما من تنظيمات إرهابية أخرى، أو مكونات اجتماعية سورية كالمكون الكردي في تحقيق مخططه، بدءًا بالهيمنة على مناطق الثروات الطبيعية: المياه والزراعة والمعادن، وثروات الطاقة النفط والغاز، مرورًا بالعمل على فصل الشمال السوري وشرق الفرات بدعم المكون الكردي لفصل محافظة الرقة والحسكة والقامشلي وعفرين ومنبج، ودفعهم لتكوين حكومة أو إدارة خاصة بهم داخل الدولة في المناطق الآنفة الذكر والتي سيطروا عليها. وفي الجانب الآخر يهدف الأميركي من هذه السيطرة والتقسيم وإقامة القواعد العسكرية بها لعزل سوريا من جوارها وخنق رئتيها العراقية والإيرانية إلى تأمين وحماية كيان الاحتلال الإسرائيلي، وضرب المحور الممانع للاحتلال الإسرائيلي؛ لذلك أن يسلم الأميركي بهذه السهولة ـ رغم بيعه الرخيص للمكون الكردي في عفرين والذي راهن عليه ـ لا يزال مشكوكًا فيه. فكيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يعد الطرف الأصيل في مخطط التآمر على سوريا وتدميرها لن يهدأ له بال، علاوة على أن الإدارة الأميركية الحالية ـ التي فاقت في انحيازها التام للكيان المحتل جميع الإدارات السابقة ـ لن تتخلى عن ما يريده العدو الإسرائيلي في سوريا، وهو ما يجعل القرار الأميركي حمَّال أوجه ستكشفها ـ دون شك ـ الأيام القادمة.
على أن الإنجازات التي حققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في الغوطة الشرقية بتطهيرها واستعادتها في مدة زمنية قياسية، رغم حملات التحريض والتشويش والتشويه المغرضة، تدفع أولًا باتجاه تأمين دمشق من الاستهداف الإرهابي، وثانيًا تحطيم مخطط إسقاط العاصمة والحكومة السورية انطلاقًا من الغوطة المنطقة الرخوة، وثالثًا باتجاه التحرك بأريحية نحو تحرير ما تبقى من المناطق السورية، لا سيما مناطق الثروات الطاقية والطبيعية، مع أهمية الإشارة إلى أن إنجاز الغوطة قد بعث برسائل عديدة ومختلفة إلى معشر المتآمرين على سوريا.