القرآن الكريم يدعو الناس جميعاً إلى الإيمان برسل الله جميعاً، سواء من قصه الله علينا وعرفناهم بأسمائهم، أم لم نعرفهم، فهم كلهم رسل الله أرسلهم الله لغاية واحدة، وهدف واحد، فكلهم جاء بكلمة التوحيد، وكلهم جاء لهداية الإنسانية وتوجيهها، لإقامة شرع الله تعالى، بعد أن اختلف الناس وانحرفت فطرهم قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} [البقرة: 213].
يقول الله تعالى داعياً الناس إلى الإيمان بجميع الرسل دون التفريق بينهم: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 136].
ونعى على الذين يؤمنون ببعض الرسل ويكفرون ببعض، ووصفهم بالكفر، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا* أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 150 ـ 151]، وهذا مبني على الإيمان بأن دين الله تعالى الذي أرسل به جميع رسله واحد في أصوله ومقاصده من هداية البشر وإصلاحهم، وإعدادهم لسعادة الدنيا والآخرة.
إن القرآن الكريم بهذه النظرة الشمولية للإيمان بجميع الرسل دون استثناء؛ لهو دعوة إلى توحيد الإنسانية في إيمانها برسل الله تعالى، لأنهم كلهم ينطلقون من مشكاة واحدة، هي مشكاة النبوة، وكلهم يهدفون إلى تحقيق غاية واحدة، هي إقامة شرع الله، قال تعال: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء: 73].
ويستتبع الإيمان بالرسل الإيمان بما أنزل الله عليهم، فكما أخبرنا القرآن الكريم عن بعض رسل الله وأنبيائه، فكذلك أنبأنا عن بعض ما أنزل إليهم، كالصحف التي أنزلها إلى إبراهيم عليه السلام، والتوراة التي أوتيها موسى عليه السلام، والزبور التي أرسل بها داود عليه السلام، والإنجيل الذي جاء به عيسى عليه السلام، والقرآن الذي أنزله الله على خاتم الرسل أجمعين محمد صلى الله عليه وسلم.
فالإيمان بهذه الكتب خاصة واجب، كما يجب الإيمان بكتب الله عامة، ولا نكاد نقطع عن كتاب ديني آخر بأنه كان أو لم يكن من عند الله، غير أننا نؤمن أن كل كتاب نزل من عند الله تعالى هو الحق.
وهذا الإيمان برسل الله جميعاً، والإيمان بما أنزل الله إليهم، عامل مهم من عوامل تحقيق خلافة الله في الأرض، إذ لا يفتح أي مجال للتفرق والعنصرية، أو التعصب لشريعة ما غير شريعة الله تعالى، ومن ثم يتيح للإنسانية الانطلاق نحو الأهداف السامية، التي خلقوا من أجلها.

د/ سعيد بن راشد الصوافي