ارتبط مفهوم الإدارة بحركة التنمية ارتباطًا وثيقًا، وذلك لما يقوم عليه هذا المفهوم من إعداد خطط وأهداف واستراتيجيات قابلة للتطبيق، يسعى معدوها إلى تحقيق الأهداف ومضاعفة عمليات الإنتاج ورفع مستوى الرأسمال البشري، وكلما تعمق مفهوم الإدارة في الأخذ بالأساليب الحديثة وواكب مستجدات العصر كان انعكاس ذلك على حركة التنمية ملموسًا.
ويعد الأداء المؤسسي أو البشري داخل المؤسسة المقياس الحقيقي لنجاح المؤسسة، من خلال عدة محددات أهمها جودة الخدمة المقدمة أو السلعة المنتجة، وسرعة الإنجاز وتوفير الوقت والجهد، ورضا المستفيد من الخدمة أو السلعة.
وفي عالم أخذ يشهد تطورات ومستويات عالية في مجال الأداء المؤسسي من خلال المبتكرات والإبداعات التقنية الحديثة، مع وجود الدراسات المستفيضة التي تصب في صالح تطوير الأداء وتجويد العمل وتحسينه، كان لا بد أن للسلطنة من أن تكون من بين أوائل الدول التي تهتم بهذا المجال، وأن تأخذ بما يفرزه العصر من مخترعات وابتكارات مُعِينة. ويعطي مؤتمر "إثراء الأداء" الذي اختتم أعماله أمس صورة واضحة ومعبرة عن اهتمام السلطنة بإثراء الأداء وتجويده. فالمؤتمر يهدف إلى تعزيز الوعي والإدراك بجوانب إدارة الأداء، وتقديم أحدث النظريات والممارسات في هذا المجال واستشراف آفاق حكومات المستقبل، والتحول الرائد إلى الإجادة وأثرها في تقوية السلوكيات الوظيفية التي تعزز الأداء الوظيفي.
ويكتسب المؤتمر أهميته من حيث إنه يأتي في وقت أضحت عوامل المنافسة وجودة المنتج، وسرعة الأداء المقترن بالجودة، والمكتسِب لرضاالمستفيد، مقياسًا لمستوى الأداء وجودته، وأن التقنيات الحديثة في مجالات التواصل والاتصال والإنتاج فرضت ذاتها لما تمتاز به من سرعة في الإنجاز، وسهولة في الاستخدام، وباتت متاحة لدى مختلف شرائح الناس، فقد أصبح إنجاز المعاملات بدقة وسرعة ـ وكما قال معالي الشيخ وزير الخدمة المدنية ـ هدفًا ينبغي على الجميع تحقيقه لتطوير الأداء باعتباره لب الأساس في تحقيق رضا المستفيدين من الخدمات، والركن الرئيسي لتحقيق متطلبات الإجادة العملية، مع أهمية استمرار الجهود الرامية إلى تعزيز هذا الجانب لدى الموظفين، ونشر ثقافة الإجادة التي تركز بالدرجة الأولى على تحقيق هذه المضامين. كما يكتسب المؤتمر أهميته من حيث ما شهده من أوراق عمل كانت لافتة وبارزة كـحكومات المستقبل وآفاقها، ومفاتيح النجاح للمؤسسات الرائدة، ونماذج الإجادة، والتحول الرائد إلى الإجادة في الأداء. وكذلك من حيث التوصيات التي خرج بها المؤتمر التي من شأنها أن تثري فعلًا الأداء الوظيفي إذا ما طبقت على الواقع المؤسسي تطبيقًا عمليًّا. فأهمية التحول من نمط التخطيط الحالي إلى واقع الاستشراف الاستراتيجي الذي يحقق ضمان جودة مخرجات التخطيط الاستراتيجي، ويرتبط بجودة المتابعة والقياس، وأهمية التحول المدروس من الإدارة التقليدية إلى مفهوم الإدارة الحديثة، والارتقاء بكفاءة الأداء المؤسسي والبشري، وأهمية تقنية المعلومات والاتصالات باعتبارها المحرك الأساسي لعملية التنمية، وتطوير مستوى الخدمات بالإضافة إلى زيادة درجة التكامل بين القطاعين العام والخاص والانفتاح عليه وتشجيع دوره في عملية التنمية، وكذلك جعل روح المبادرة والابتكار والتحليل من الأولويات التي يتوجب أن توليها مختلف المؤسسات أولوية واهتمامًا على نحو يسهم في تعزيز واستدامة الأداء، كل ذلك وغيره من شأنه أن ينقل الأداء الوظيفي والمؤسسي إلى مرحلة متقدمة تتسم بالحرص على تقديم الخدمات لطالبيها في قوالب متعددة من الجودة والإبداع، وفي أداء يليق بالمؤسسات والأجهزة وسمعتها الطيبة، والكادر البشري الذي يديرها.