هل يبحث شبابنا عن عمل أم يبحثون عن وظائف؟ وهل يمتلك شبابنا وعيا مهنيا يقدر العمل الحر؟ هل يتمتع شبابنا بالرغبة الأكيدة للعمل الذاتي؟ إلى أي درجة يدرك الشاب الباحث عن عمل الأصول التي تمثل رأس ماله الحقيقي؟ وهل يعي الشباب العماني حاجات مجتمعهم التي يمكن أن تلهمهم إيجاد وتأسيس مشروعاتهم الفردية؟ كانت هذه الأسئلة تتردد في عقلي وأنا أشارك في ندوة جمعت كلا من رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان سعادة سعيد بن صالح الكيومي والأستاذ طارق بن سليمان الفارسي رئيس صندوق الرفد في ندوة رمضانية نظمها فرغ الغرفة بمحافظة شمال الباطنة بصحار تحت رعاية سعادة الدكتور حمد بن سعيد العوفي وكيل وزارة الزراعة والثروة السمكية، وبحضور جمع غفير من رواد ورائدات الأعمال في محافظة شمال الباطنة ومن المحافظات الأخرى. كانت لغة الأرقام هي اللغة الغالبة في محاور الندوة. من البشائر التي تطرق اليها المتحدثون أن 42% من الشباب العماني ممن شملتهم دراسة مسحية حول خياراتهم المهنية المستقبلية؛ يفضلون العمل الفردي الحر. كما أن عدد المستفيدين من برامج صندوق الرفد بلغ 1012 مستفيدا، هذا بالإضافة إلى تتابع افتتاح فروع الصندوق في محافظات السلطنة المختلفة. كذلك أشارت الإحصائيات إلى تنامي اقبال الباحثين عن العمل على برامج وخدمات الصندوق، ولدعم هذا التوجه تقوم غرفة التجارة والصناعة وصندوق الرفد بعقد سلسلة برامج ودورات لنشر ثقافة ريادة الأعمال واكساب المقبلين رواد الأعمال المهارات والأدوات التي تعزز جودته الشخصية والمهنية كرائد أعمال. ومن خلال النقاشات والمداخلات التي اثارها الحضور كنت أربط بينها وبين توصيات ندوة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي عقدت بسيح الشامخات في ولاية بهلا بالمنطقة الداخلية، في الفترة من 21 حتى 23 يناير من العام الماضي، أدركت أن كثيرا من تلك التوصيات صارت براعم لنهضة اقتصادية تنقل طاقات الشباب من التوجيه والتحريك إلى الإبداع والمبادرة، ومن الاتكالية المطلقة على الوظيفة باعتبارها حق مكتسب إلى أن اتجاهات إيجابية تعتمد على التفكير الإبداعي والبحث عن البدائل وركوب المخاطر الحميدة التي تصقل شخصية الشاب وتفجر طاقاته وتساعده على اكتشاف القدرات والملكات التي يتمتع بها ويستطيع أن يحررها لتنطلق في عالم ريادة الأعمال. إن ما نسبته 97% من اقتصاديات بعض الدول المتقدمة تعتمد على المشروعات الصغيرة والمتوسطة. إن الدرب ليس مفروشا بالورود وريادة الأعمال ليست نزهة، وسوق العمل مليء بالشواك والمطبات ولكن كل ذلك يعتبر ضرورة ملحة ومحطات لتأهيل الشباب والارتقاء بهم.
لقد بدأت لغة النقد والقاء اللوم على المسؤولين تختفي لتظهر بدلا منها لغة إيجابية ديدة هي ثقافة التحدي، ثقافة الرهان على أنا أستطيع، ثقافة " إذا كان هناك اشخاص استطاعوا أن ينجحوا فأنا أيضا أستطيع أن أحقق مثلهم" ثقافة" لا يوجد فشل، لكن توجد تجارب وخبرات" وثقافة تستطيع ما دمت تعتقد أنك تستطيع. والأجمل من ذلك كله أن ثقافة العمل الحر التي كانت ذات يوم تسري في دماء العمانيين فحملتهم إلى أفريقيا وآسيا وأروبا واميركا، تلك الروح بدأت تسري من جديد في دماء الشباب، اعتاد العالم أن يشاهد أشرعة سفن العمانيين شرقا وغربا وقد حان الوقت لكي تتحول تلك الأشرعة إلى برمجيات وتكنولوجيا وخدمات وسفر وسياحة.
الجميل في هذا السياق أن لغة المبررات بدأت تختفي وتظهر بدلا منها لغة إيجابية تبحث عن الحلول وتقود إلى النتائج. أصبح التفكير الذي يدور في عقول العديد من الشباب أنا أبحث عن عمل ولا أبحث عن وظيفة. صار الفرق واضحا جدا بين أن يكون الشاب الباحث عن عمل رائدا أعمال في مشروعه الذاتي وبين أن يكون موظفا في مؤسسة، أو وزارة.

د. أحمد بن علي المعشني رئيس مركز النجاح للتنمية البشرية