يشعر العمانيون هذه الأيام بجانب روحانيات شهر رمضان بفرحة ذكرى يوم النهضة المباركة التي بزغ نورها وفاض على البلاد بأكملها في الثالث والعشرين من يوليو عام 1970 وهو اليوم السعيد المبارك الذي تولى فيه قائد المسيرة وباني النهضة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ وأمد في عمره وأبقاه ذخرا للبلاد والعباد لتدخل معه عمان عهدا من الإنجازات المتتالية ويتحقق السلام والاستقرار والرخاء والتقدم للشعب الوفي.
لقد سابقت عمان الزمن فخلعت عباءة الجهل وسارت بخطى ثابتة نحو المجد حتى أصبحت دولة عصرية بمعنى الكلمة حيث انفتحت على العالم الخارجي انفتاحا واعيا واستطاعت أن تستنبط السمين وتترك الغث فابتعدت عن أن تكون دولة جامدة أو مقلدة وصار لها سماتها التي تميزها عن غيرها .. واستطاعت بفضل حكمة قائدها المفدى وفكره السديد أن تحقق في فترة وجيزة المعادلة الصعبة وأن تجمع بين النهضة والتقدم والمعاصرة من جهة والحفاظ على الأصالة والسمة المميزة للموروث الحضاري من جهة أخرى فضربت دولة وشعبا المثل في النهوض من العدم وتحقيق الازدهار والتقدم ومد يد الصداقة والسلام والكرم وكافة الصفات النبيلة .. من هنا فإن يوم النهضة بالنسبة للعمانيين يعتبر نقطة التحول الرئيسية في تاريخ بلادهم ومسيرتها نحو البنيان لأنه مع مطلع شمس هذا اليوم بدأت تخطو بثبات نحو بناء دولة مؤسسات قوية ذات أساس متين حتى انتشرت في ربوع الأرض الطيبة جميع مظاهر الأمن الاقتصادي والاجتماعي والصحي والتعليمي والأمني وغيرها وأصبح تحفنا جميعا وتضمنا مظلة الرفاهية والاستقرار والازدهار.
لاشك أن ما تحقق من إنجازات لم يكن وليد اللحظة أو الصدفة بل جاء نتيجة عرق وجهد وكفاح سنين وعمل دؤوب من قائد حكيم معطاء وشعب وفي التف حول قائده وأطاعه وسار في ظله لاسيما وأن العلاقة التي جمعت بين القائد وشعبه كانت قائمة على الشراكة والتفاهم المتبادل والحب والمودة .. حيث طبق جلالة السلطان الشورى والديمقراطية والعدل بمعانيهم الحقيقية ورسم الخطة تلو الأخرى التي كان محورها الرئيسي تنمية البشر قبل الحجر وبؤرة أهدافها الإنسان العماني ولم يعتمد في يوم من الأيام على الصخب والشعارات الجوفاء بل عمل بكل إخلاص في صمت .. فصار الشعب شريكا فعليا في الدفع بعجلة التنمية إلى الأمام وتحقق له ما يصبو إليه من بناء وتطور وتقدم ونهضة شامخة وحياة آمنة مطمئنة.
منذ أن بزغ فجر نهضتنا المباركة وكل يوم يمر يتحقق إنجاز جديد تشهد عليه الأبصار والأفئدة ويثبت بما لا يدع مجالا للشك حكمة مولانا حضرة صاحب الجلالة ورؤيته الثاقبة السديدة وقدرته الفائقة على استشراف المستقبل .. فما حدث لبلادنا من نهضة صلبة قوية ليست نهضة وقتية بل تنمية مستدامة يمتد معينها للأجيال القادمة.
نحمد الله أننا تمكنا حتى الآن من تحقيق معظم أهداف الألفية الثالثة واستطعنا عن طريق الاستراتيجيات طويلة المدى دعم التوازن الاقتصادي وتحقيق النمو المتواصل وتنمية القطاعات الخاصة والمؤسسية والموارد البشرية والإمساك بمفاتيح التنمية الشاملة المستدامة متجاوزين كافة العقبات والعوائق التي ظهرت في طريق النهضة والتحقنا بركب الدول الصاعدة وصارت لنا مكانتنا المرموقة في المحيط الإقليمي والدولي.
إن كل العمانيين يفخرون بما تحقق من نهضة مباركة على يدي جلالة السلطان الكريمتين الذي وعد فأوفى ووفر لهم كل أسباب الرخاء والرفاهية والاستقرار والازدهار وبفضل الله تعالى كان السبب الرئيسي في نجاح مسيرة البناء والتنمية الظافرة .. لذلك يشرفنا أن نقف له احتراما وتقديرا ونجدد له الولاء ونعاهده على الوفاء بالعيش تحت مظلته الوارفة ونقدم له ولوطننا الغالي جهدنا وعرقنا ودماءنا فداء وتضحية من أجل إعلاء شأنه ورفعة مكانته .. ولنجعل جميعا من ذكرى النهضة المباركة انطلاقة نحو المستقبل لتحقيق المزيد من التنمية والإنجازات.
كل التحية والشكر والثناء لقائد المسيرة المظفرة وندعو الله أن ينعم على جلالته بموفور الصحة والعافية والعمر المديد وأن يحفظه ذخرا لهذا الوطن .. وأن تبقى راية عمان تحت قيادته الرشيدة مرفوعة خفاقة ويتحقق على يديه الكريمتين المزيد من الإنجازات والاستقرار .. وكل عام والجميع بخير.

* * *
من يوقف مجازر دواعش بني صهيون ؟
الكلمة التي ألقاها سعادة الشيخ خالد بن هلال المعولي رئيس مجلس الشورى خلال الاجتماع الذي عقده الاتحاد البرلماني العربي مؤخرا بمقر جامعة الدول العربية لمناقشة العدوان الإسرائيلي على فلسطين جاءت معبرة عن موقف السلطنة وكل العمانيين تجاه القضية الفلسطينية المزمنة .. فالسلطنة منذ بداية الأزمة تؤازر أشقاءنا وتؤمن بأنه يجب أن تعود الحقوق لأصحابها واللاجئون لأرضهم وأن تتوقف على الفور الانتهاكات الصهيونية وتطالب الفصائل المتناحرة بالوحدة والوقوف صفا واحدا في وجه عدوهم المشترك.
إن كلمة سعادة الشيخ المعولي كانت مؤثرة للغاية فقد وصف شهداء غزة بأنهم يدفنون في ترابها الطاهر وعلى شفاههم أسئلة معلقة عن الجرم الذي ارتكبوه وأن غزة تحولت إلى سرادقات عزاء وتلاشت لدى شعبها الحدود بين الليل والنهار حتى الفرق الطبية والدفاع المدني وسيارات الإسعاف لم تسلم من القصف الغاشم ليحرم المريض والجريح من الشفاء .. ثم انتقد الموقف الدولي واصفا العالم بأنه لا يملك من أمره إلا التعبير عن الأسى وأن ردود الأفعال تقليدية لا تشبع من جوع وأن هذه الهجمة الشرسة حملت رسائل واضحة المعالم لا لبس فيها حول السلام والتهدئة .. ووصف ما يحدث في غزة بأنه ضرب من الجنون الإنساني وأنه انعكاس لضعف الأمة وانقسامها وتشتتها وغياب الرؤية الواضحة .. ويرى أن الواقع يفرض علينا المزيد من العمل والجهد والتعاون للتخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني ووقف العدوان الغاشم.
بالتأكيد جميعنا يتفق مع سعادة الشيخ المعولي على أن ما يقوم به بنو صهيون هو ضرب من الجنون فليست هذه تصرفات قيادة عاقلة رشيدة .. فما يحدث هو إبادة منظمة ضد الفلسطينيين وإرهاب دولة .. كما أن رد الفعل العالمي والعربي ليس على قدر الجرم المرتكب .. فغزة تنزف وتتألم وإسرائيل ترتكب المجازر تلو الأخرى التي تحصد الضحايا الأبرياء من المدنيين .. والمجتمع الدولي في صمت مطبق والعرب كالعادة في سبات عميق .. ولا نملك إلا أن نقول "حسبي الله ونعم الوكيل في بني صهيون .. ولك الله يا شعب فلسطين".
إسرائيل تطلق التهديدات بأن صبرها بدأ ينفد وستحتل قطاع غزة إذا اقتضت الضرورة وهو ما يجعلنا نتساءل هل هذا هو مقصدها منذ البداية من الاعتداءات المتكررة والاجتياحات التي ترتكبها كل فترة ؟.
إن من يراقب الموقف يلاحظ أن إسرائيل لا تريد للمنطقة أن تهدأ فنراها تزرع بذور الفتنة والحرب في كل مكان هنا وهناك كي تضعف أي مقاومة من الممكن أن تقف في طريق مخططاتها الخبيثة الرامية لتوسيع حدودها لتشمل المنطقة من النيل إلى الفرات لذلك فإنها تريد أن تكسر شوكة المقاومة حماس حتى لا تتكاتف مع فتح وبقية الفصائل الفلسطينية وتقف في طريق تنفيذ خططها المسمومة.
لقد اعتمدت إسرائيل ومن خلفها أميركا على نشر بذور الفتنة الطائفية والمذهبية بين الشعوب العربية لعلمها بأن الدين يشكل بالنسبة لهم مسألة هوية ووجود .. ولم تكتف بذلك بل نشرت كذلك بذور التشدد بين الشعب الصهيوني كي يرفض التعايش مع الفلسطينيين ويمارس المتطرفون الانتهاكات في حق جيرانهم عسى أن يتركوا لهم الجمل بما حمل وهو ما يذكرنا بداعش التي ترفض التعايش والتأقلم بين الشعوب .. ليصبح النموذج الداعشاوي في كل مكان وكما أن هناك داعش إسلامية توجد مثلها يهودية وأخرى نصرانية.
حان الوقت ليوقف العالم العدو الصهيوني عند حده .. وآن الأوان لتسمع في الأروقة الدولية الأصوات العربية تصرخ وتضغط من أجل إنقاذ الأبرياء فالصمت والشجب والتنديد والاستنكار لم يعد مجديا ولا يليق بأمة من المفترض أنها خير أمة أخرجت للناس.
يجب أن تتنبه شعوب العالم للمخططات الخبيثة الرافضة للسلام والتعايش حتى يستطيع الجميع العيش بسلام فجميعنا نعيش على كوكب واحد شئنا أم أبينا كذلك جميعنا من أصل واحد وأب وأم واحدة لذلك يجب أن نحرص على الحفاظ على روابط الإخوة الإنسانية والبعد عن التطرف والعنف حتى ننعم جميعا بالسلام والأمان.

* * *
حروف جريئة
* يبدو أن حرب الوكالة التي تجري بين روسيا وأوروبا على أرض أوكرانيا بدأت تتعدى الحدود حيث دفع الماليزيون ثمن هذه الحرب عندما أسقطت طائرتهم عند مرورها فوق منطقة النزاع في أوكرانيا مخلفة مئات الضحايا وهذا هو الحادث الثاني للطيران الماليزي .. نرجو أن يتدارك المجتمع الدولي خطورة الأمر ويحاول حل الأزمة الأوكرانية قبل وقوع المزيد من الضحايا الأبرياء.

* المسيحيون في الموصل فروا هربا تاركين خلفهم مساكنهم وممتلكاتهم وأموالهم خوفا من تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي خيرهم بين اعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو ترك البلاد .. مما يعطي صورة سلبية وخاطئة عن الدين الحنيف الذي لم يطرد ذميا واحترم عقيدته وكفل له حرية العبادة والمعاملات وتعايش أهله مع كافة الديانات على مدى أكثر من 14 قرنا في سلام وتآخ يدعون إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة ومطبقين قوله تعالى "لكم دينكم ولي دين" وقوله "لا إكراه في الدين" .. ويكفي أن كنائس الموصل يرجع بناؤها لأكثر من 1500 عام فلماذا لم يقم السلف الصالح والصحابة بهدم تلك الكنائس وإجبار أهلها على ترك دينهم أو بلادهم ؟.

* * *
مسك الختام
قال تعالى : "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن".

ناصر اليحمدي