[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
”كانت المهمة الموكلة إلينا مع فريق حكومي من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ما يمكن أن أصطلح عليه (الإغاثة بالمعرفة) وهي مهمة صعبة جدا, لكنها ليست مستحيلة إذا توافرت الشروط اللازمة مستذكرا باحثا سسيولوجيا بريطانيا أمضى سنتين كاملتين في منطقة قبيلة إفريقية بدائية منقطعا عن حياته المدنية التي اعتاد عليها ليؤلف بعد ذلك كتابا عن تلك القبيلة.”

هو الاستخفاف وعدم تقدير المواقف أن تتجول بين نازحين وعائدين إلى ديارهم المحررة من الإرهاب, وأنت في كامل أناقتك وتنظر من فوق لهم دون أن تستطيع مساعدتهم المساعدة اللازمة في عودتهم, فهم مكبلون بالفقر والحاجات الملحة مع كثرة المعوقين والمشدوهين الذين يتطلعون إليك باستغراب, وكأنهم لا يجدون عندك ما يسعفهم.
هي الاستهانة والاستكبار بمواقف زائفة حين تزعم أنك سعيد بعودتهم إلى ديارهم, وأنك تتطلع بالمزيد من الاهتمام إلى ما يأملونه من تعويضات ومن تحقيق عدالة قضائية تنتزع لهم حقوقهم من مسلحين فعلوا بهم أبشع جرائم الإبادة والتشفي.
لقد أتيح لي في الأسبوع الماضي أن أكون في الموصل مركز محافظة نينوى, وفي بلدتين من هذه المحافظة هما الحمدانية وبرطلة، وجاءت زيارتي ضمن مسؤوليتي في منظمة مدنية معروفة هي منظمة حمورابي لحقوق الإنسان التي ترأسها الوزيرة السابقة لحقيبة الهجرة والمهجرين السيدة باسكال وردا.
كانت المهمة الموكلة إلينا مع فريق حكومي من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ما يمكن أن أصطلح عليه (الإغاثة بالمعرفة) وهي مهمة صعبة جدا, لكنها ليست مستحيلة إذا توافرت الشروط اللازمة مستذكرا باحثا سسيولوجيا بريطانيا أمضى سنتين كاملتين في منطقة قبيلة افريقية بدائية منقطعا عن حياته المدنية التي اعتاد عليها ليؤلف بعد ذلك كتابا عن تلك القبيلة، بعد أن عاش في وسطها متدربا على نمط حياتهم البدائية البسيطة جدا، ورصد معاييرها ومفاهيمها الاجتماعية والنفسية والتراثية.
على أي حال, كانت الأسئلة كثيرة التي واجهتنا في الموصل والبلدتين, الحمدانية وبرطلة وسط ركام من الحزن الخانق ومخاوف تتكرر وتتجدد مع أي خرق أمني يمكن أن يحصل, ولمست أيضا كم هو كسل بعض الموظفين الحكوميين ومحاباة سياسيين يجدون في هذه المأساة حاضنةً لفرصهم يسألون عن البطاقات الانتخابية أولا, وأنهم سيكونون عونا للمحافظة حين يفوزون بعضوية مجلس النواب, يا للمفارقة (جمل بنية وجمال بنية أخرى) وحسب معلوماتي المتواضعة أن سياسيا عراقيا واحدا من الذين يطمحون بعضوية مجلس النواب المنتظر لم يمكث في مدينة أو بلدة محررة أكثر مما يقتضيه المرور العاجل وترتيب لقاءات، وتسويق وعود مصنعه، كما هو شعر رؤوسهم المصفف بعناية, ويبدو أن هؤلاء السياسيين يستنسخون منهج موظفي الإغاثة في الأمم المتحدة الذين يركبون أحدث سيارات الدفع الرباعي، وينامون في أبهى الفنادق ويرتادون أضخم المطاعم يتناولون أسماك السلمون أو الكافيار بمبالغ تستقطع من الأموال المرصودة للإعانات في مناطق تجتاحها حروب أو عواصف ساحقة أو زلازل وغيرها من قائمة الكوارث الطبيعية أو بفعل البشر.
الخلاصة اللازمة بشأن ذلك, إن مثل هؤلاء مصابون بالعاهة الاجتماعية المعروفة فقر الموقف برغم رصيد الجاه والنياشين والإطراءات, لذلك تجدهم يلهجون دائما بالتقدير والامتنان والإعجاب الذي يحصلون عليه تحت لافتة (وقفوا لنا بالصلوات) وهو تعبير يستخدمه العراقيون توصيفا لزعم أن منزلة هؤلاء كبيرة.
المصابون بفقر الموقف تجدهم يصنعون هالات لهم بالألقاب والمآثر الزائفة، ولكنها هالات ومآثر تنطفئ بمغادرتهم, أي (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) فلماذا لا يعيد أصحاب هذه المواقف الفقيرة ترتيب أولوياتهم بعيدا عن انتهازية الثعالب؟ سؤال برسم الاستحقاق.