[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]
”.. في مفارقة بين مشهدين كانت تعيشهما بغداد في ذلك اليوم حيث أوهمت قوات الاحتلال العالم أنها بإسقاط تمثال الرئيس الراحل صدام حسين في ساحة الفردوس عصر التاسع من نيسان ـ أبريل عام 2003 قد أنهت الصفحة العسكرية في حربها مع العراق، في حين كان صدام في نفس اللحظة في منطقة الأعظمية يحيي الجماهير التي التفت حوله.”

تبقى ارتدادات التاسع من أبريل ـ نيسان متواصلة باعتبارها نقطة تحول في تاريخ العراق والمنطقة أبقت العراق في المأزق الذي يتخبط به، ولم يتحول بسبب الاحتلال إلى نموذج للسلام والرخاء والديمقراطية كما سوقت لغزوه إدارة بوش الابن.
ومن المناسب ونحن نستذكر ما جرى في التاسع من نيسان ـ أبريل أن نسلط الضوء على صفحات غير معروفة عما جرى ذلك اليوم من خلال شاهد عيان رصد، وتابع الساعات التي سبقت وأعقبت احتلال بغداد.
كان صباح التاسع من نيسان ـ أبريل حزينا وكئيبا، حتى نهر دجلة الذي كنا نعرفه متدفقا وحيويا وجميلا، بدا لنا ونحن نتطلع إليه من شرفة غرفتنا في فندق المريديان ببغداد أنه متوقف عن الجريان. ووسط أجواء الترقب والانتظار تردد الصحافيون الذين تجمعوا في باحة الفندق لمتابعة ما يحدث من حولهم، بعد أن تضاربت الأخبار حول حقيقة ما يجري في الخارج، انتبهوا إلى من يدعوهم إلى مؤتمر صحافي عاجل لوزير الإعلام محمد سعيد الصحاف على سطح فندق المريديان، وكان ذلك يوم الثامن من نيسان ـ أبريل وهو آخر مؤتمر للصحاف.
وهرعنا إلى السطح وإذ بالصحاف يطمئن الصحافيين، ويؤكد أن الأمور مسيطر عليها، وأن ما يسمعونه هو تسريبات صحافية هدفها إحداث البلبلة والتأثير في معنويات المقاتلين، وكان الصحاف متماسكا وعنّف بعض مراسلي وسائل الإعلام الأميركية لعدم مصداقية تقاريرهم حول تطورات الحرب على العراق، وفي مفارقة بين مشهدين كانت تعيشهما بغداد في ذلك اليوم حيث أوهمت قوات الاحتلال العالم أنها بإسقاط تمثال الرئيس الراحل صدام حسين في ساحة الفردوس عصر التاسع من نيسان ـ أبريل عام 2003 قد أنهت الصفحة العسكرية في حربها مع العراق، في حين كان صدام في نفس اللحظة في منطقة الأعظمية يحيي الجماهير التي التفت حوله، وما يكشف سيناريو الاحتفال باحتلال بغداد الذي جرى في ساحة الفردوس، هو أن أكثر من نصف بغداد وخمس محافظات عراقية هي الموصل وصلاح الدين والأنبار وديالى وكركوك لم تصلها القوات الأميركية، هنا كانت الرمزية في إسقاط تمثال صدام في وسط ساحة في قلب بغداد كرسالة للجميع مفادها أن بغداد والعراق كله أصبح تحت السيطرة.
كان صباح العاشر من نيسان ـ أبريل حزينا ومختلفا عن بقية الأيام، فالدبابات الأميركية تطوق ساحة الفردوس واتخذت من باحة فندقي المريديان والشيراتون مكانا لانتشار قوات المارينز، وما زاد من قتامة المشهد الرايات البيضاء المتدلية من شرفات الفندقين بعد أن قذفت أماكن وجودهم مدفعية الدبابات الأميركية التي تسللت إلى بغداد وقتلت وجرحت العديد منهم في محاولة لتفادي أي موقف مماثل.
وأمام خواتيم هذا المشهد كيف تصرف صدام في تلك اللحظات؟ وأين كان المسؤولون العراقيون قبل وبعد التاسع من نيسان ـ أبريل؛ حيث شوهد صدام بالقرب من جامع أم الطبول المؤدي إلى المطار ظهر السادس من نيسان وهو يحمل السلاح ومحاطا بعشرات المقاتلين وبصحبته نجله قصي؟
في هذه اللحظات الحاسمة أمضى صدام ليلته في جامع أم الطبول غرب بغداد، حيث توجه صدام ظهر التاسع من الشهر إلى منطقة الأعظمية، وحيا الذين تجمعوا لتحيته، وكان معه وزير الدفاع سلطان هاشم أحمد وولده قصي وبعض أفراد الحماية، وعندما انتهى من ذلك اصطحب معه سكرتيره عبد حمود وثلاثة فقط من حمايته وتوجه إلى جهة مجهولة.
وما تختزن ذاكرتي عن مسار الحرب حيث أصيب الصحفيون بحيرة واستغراب بعد استدعائهم على عجل إلى مؤتمر صحافي في فندق المنصور المطل على نهر دجلة، وفوجئوا بإعلان وزير الدفاع سلطان هاشم أحمد أن طلائع القوات الأميركية قد تصل بغداد في غضون أسبوعين وهو يشرح على خريطة سير المعارك، بدا حزينا لكنه لم يرمش له جفن حين تسقط الصواريخ على المنطقة التي يقع فيها الفندق، حتى أن طاولته اهتزت من عصف القصف وارتداداته على القاعة وأبوابها وشبابيكها، لكن الرجل بقي صامدا غير مكترث بما يجري خارج القاعة.
وكان وزير الإعلام محمد سعيد الصحاف يوجز للصحافيين يوميا سير المعارك وعقد نحو 20 مؤتمرا صحافيا خلال فترة الحرب، ولغاية التاسع من نيسان ـ أبريل الذي انتقل إلى المقر البديل لوزارة الإعلام الكائن في منطقة الأعظمية وبقي حتى مساء ذلك اليوم.