[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
يوم التاسع من أبريل 2003 كانت الدموع تنهمر من عيني وأنا أرى الدبابة الأميركية تختال في بغداد .. مشهد لايصدقه عقل، وسؤال ألح علي ترداده، أين المقاومة العراقية، وأنا أعرف أن العاصمة العراقية محشوة إلى حد التخمة بالسلاح من كل نوع، فهي حسابات النظام القديم وخوفه من تقلبات الزمن.
سقط صدام حسين كما أوحت الطريقة الأميركية للتعبير عن هذا الفهم، حين أسقط الجنود الأميركيون تمثاله الأكبر في ساحة الفردوس. كان في تقدير العراقيين المنقسمين أمام ذاك المشهد، أن القسم المعارض له، دبت فيه حماسة الفرح وانطلق كالريح يرقص ويهزج، أما الآخرون، فلملموا المشهد الفظيع بعيون دامعة وسكنوا بيوتهم بدون كلام سوى الصمت كأفضل تعليق.
مر بعدها زمن على العراق مازالت آثاره واضحة في الشعب والمدن والأرياف، في تفاصيل النفوس التي أصاب المرض النفسي أكثرها، وفي البيوت التي صار في كل منها صورة لشهيد أو أكثر .. كأنما سقوط الرئيس صدام، أدخل على العراقيين نقمة لم يخرجوا منها بالهين.
بعد احتلال بغداد وكل العراق، استيقظت الأفكار عند العراقيين .. ماالذي جرى، وكيف قبلنا بالاحتلال الأميركي مقابل إسقاط أقل مايقال فيه إنه زعيم وطني كان يمسك بالعراق بكل تفاصيله، من أمنه إلى حياة شعبه المختلفة. وفي لحظة فارقة، دوت في بغداد أول عملية مقاومة ضد الأميركي، ثم تتالت اللحظات الوطنية العراقية في أبهى صورها، وتلاقت الأيدي في كل العراق وهي تنشد إخراج المحتل مهما كلف الثمن، وقد كانت كلفته على كل حال باهظة في الأرواح والممتلكات.
في تلك الأيام العراقية الصعبة، متفجرات في كل مكان وقتل بلا حساب واحتلال يقاوم بشراسة، وفقر لايوصف لبلد من أغنى بلدان العالم نفطا، كان السؤال الذي سمعته من كثير من العراقيين، كيف استبدلنا صدام بالأميركي .. وكلهم عرفوا الإجابة، أن رئيسهم ذاك كان موهوبا بالأمن وسلامة شعبه، وهي قضية وصلت إلى الخطر على كل عراقي إبان الاحتلال الأميركي، صارت الحياة تساوي شربة مي كما يقال، وصار لا أمل في غد ولا بعده، والذين جاؤوا لحكم العراق على ظهر دبابة كانوا أبعد من أن يكون لهم حضور وطني، بل كان الفساد ديدنهم والسرقة حلالهم.
احتلت بغداد قبلها عام 1258 من جيش هولاكو .. لابد أن العراقيين آنذاك كانوا منقسمين أيضا، وأن فيهم من بكى وصرخ وتأوه، ثم لجأ إلى الصمت كأفضل تعبير عن سخطه. أقول بصدق العبارة، إن لافرق بين الاحتلال المغولي والاحتلال الأميركي، كلاهما عنوان كبير لواقع غرائبي لابد أن ثمة من قاوم الأول، مثلما فعل العراقيون في مقاومة الثاني. لابد للبطولة من مكان سواء في التاريخ الذي مضى أو ذاك الذي عشناه. محطتان متشابهتان لشعب مارس كل وطنيته .. وهانحن نتذكر دائما مافعله هولاكو بالمدينة العريقة ثم انتهى عهده وسقط كما انتهى عهد الأميركي ولسوف ينتهي أكثر ليسقط في دائه.
يالها من سنوات عرفها العراقيون وتنقلوا فيها من احتلال إلى آخر، ومن قوى مجرمة إلى أخرى .. من هنا نفهم سبب هذا العدد الكبير من الشهداء ، ومن الخراب ، ومن القلق الذي مازال يساور النفوس.
لكن، بعد كل تلك السنين، من يمكنه أن يلغي صدام حسين من التاريخ العراقي ، ومن كل لفتة في بغداد وكل مدن العراق.