السبت 10 يونيو 2023 م - ٢١ ذي القعدة ١٤٤٤ هـ
الرئيسية / آراء / في الحدث: إبداع التأثير المغاير لسيمفونية الموت

في الحدث: إبداع التأثير المغاير لسيمفونية الموت

طارق أشقر

سيمفونية ” رقصة الموت ” عرفها المختصون بأنها عمل أوركسترالي ألفه الموسيقار الفرنسي كاميل سانت سين عام 1874، حيث استوحى فكرتها من قصيدة شعرية للشاعر الفرنسي هنري كازاليس، إذ تقوم تلك الفكرة على حكاية فرنسية قديمة تتعلق بمساواة الجميع أمام الموت، في حين أن قصيدة هنري كازاليس التي استوحى منها كاميل سيمفونيته كانت تحمل اسم ” المساواة والإخاء”.
السيمفونية قدمتها مؤخراً الأوركسترا الروسية الوطنية بدار الأوبرا السلطانية بالسلطنة، حيث استنطق مقاطعها عازف الكمان الروسي سيرجي كريلوف، وبقيادة المايسترو بيير كارلو اوريزيو.
رغم أنه لاخلاف في كل الثقافات الإنسانية منذ تأليف هذه السيمفونية قبل أكثر من مائة وثلاثين عاما وحتى وقتنا الحاضر في أن عبارة ” الموت ” كمفردة وبمجرد تشنيفها لأذن الإنسان ، فإن وقعها في النفس بالضرورة أن يكون الخوف والذعر والتحسب وبدء محاسبة النفس ومراجعتها، فضلا عن أن أذن كل متابع لوسائل الإعلام المسموعة أو المقروءة في مختلف أنحاء العالم في عالمنا المعاصر اعتادت على أن تسمع تلك المفردة في اليوم عشرات المرات إن لم تكن المئات، وذلك في عالم أدمن الحروب والاقتتال وحسم صراعات المصالح باللجوء إلى السلاح صناعة وتجارة وسوء استخدام واستقواء على الآخر، لتكون النتيجة النهائية ايضا المصير المحتوم ألا وهو الموت المحتوم.
ولكن في سيمفونية رقصة الموت التي تحكم الموسيقار الروسي سيرجي كريلوف في أوتار الكمان ليستنطق دلالاتها التي وضعها مؤلفها قبل أكثر من قرن من الزمان أمام جمهور عصري حديث تشرب من معطيات ثقافة القرن الواحد والعشرين ولربما يكون في ذهن كل منهم علقت مفردة الموت بكل معانيها، غير أن الروسي سيرجي كاريلوف تمكن ببراعته وحسه الموسيقي العالي وبكل إبداع من أن يضفي على الجمهور حالة مغايرة لصدى المفردة ، فتعم بينهم حالة من الإحساس بالحياة الحقيقية في عالم تسوده الحروب وظلم الإنسان لأخيه الإنسان، فأحس بالجميع بأنهم انتقلوا عمليا من عوالم قبل بدء العرض كانوا يقرأون ما تناقل عنها من أخبار حقيقية تحمل رائحة الموت بين ضحايا الحروب الإقليمية سواء كانت عربية أو غير عربية، إلى عالم مفعم بالإنسانية والحس الموسيقي الراقي الذي يعني أن الحياة يجب أن يعيشها الجميع .. وهذا نجاح حققه إبداع العازف على الكمان.
لقد تمكن الموسيقار الروسي سيرجي كريلوف عمليا من تجسيد مفاهيم” المساوة والإخاء “عنوان قصيدة هنري كازاليس، ليس فقط في إطار فكرة رقصة الموت التي تعزز المساواة بين الجميع في الموت، بل في إطار فكرة جديدة فرضها إبداع الرجل وأحس بها الحضور كافة، لربما يكون مضمونها المساواة في الإحساس بالانتقال من الإحساس والخوف من الموت، إلى الإحساس بمعنى الحياة والفرح على أنغام الكمان، لتظل بذلك قيم “المساواة والإخاء ” هي التي ينبغي لها أن تتسم بالديمومة وأن تتفشى بين الناس ، وأن تعمل كافة المؤسسات الثقافية والتثقيفية على غرسها حتى تصبح نموذجا من أنماط السلوك الفردي.
وعليه وبهذا الإبداع الذي جسده المايسترو اوريزيو وعازف الكمان سيرجي كريلوف أمام جمهور كامل العدد بدار الأوبرا السلطانية بينهم مواطنون ومقيمون وسياح من مختلف الجنسيات الأوروبية والعربية، تكون دار الأوبرا السلطانية بالسلطنة، قد أكدت عمليا على أنها مشروع ثقافي يمضي قدما في الارتقاء بالقيم الإنسانية، مثلما أنها ارتقت بالحس الفني لمرتاديها، فضلا عن أنها بوتقة تجمع في كل عرض من عروضها بين كافة مكونات التنوع الثقافي لجمهورها في بلد يتمتع بالأمن والاستقرار واحترام الآخر وإبداعاته الثقافية.

إلى الأعلى
Copy link
Powered by Social Snap