يقسم العلماء الصبر إلى ثلاثة أقسام رئيسة هي: صبر على الطاعات، وصبر عن المعاصي، وصبر على المحن والشدائد؛ فالمحافظة على الطاعات، وأداء العبادات، وترويض النفس على أدائها، وحملها على ذلك بحاجة إلى صبر، يقول الله تعالى: { رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميًا} سورة مريم الآية"65"، ويقول الله تعالى: { واتبع ما يوحي إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين} سورة يونس الآية"109"، ويقول الله تعالى: { واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطًا} سورة الكهف الآية"28".
* فالصلاة المفروضة وغيرها من السنن والنوافل بحاجة إلى صبر يقول الله تعالى: { وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقًا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى} سورة طه الآية"132"، والمرابطة في المسجد من الصلاة إلى الصلاة بحاجة إلى صبر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: { ألا أنبئكم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات، قلنا بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلك الرباط قالها ثلاثًا".
*- والزكاة المفروضة الواجبة، والإنفاق التطوعي المندوب كل ذلك بحاجة إلى صبر لحب الإنسان للمال، وشحه به، وتعلقه وتمسكه به، يقول الله تعالى: { وتحبون المال حبًا جما} سورة الفجر الآية"20"، ويقول الله تعالى: { وإنه لحب الخير لشديد} سورة العاديات الآية"8"، من هنا فإن الله تعالى في حديثه عن النفس والمال في سياق حديثه عن الجهاد في سبيله تعالى فإنه يقدم المال على النفس إلا قي آية واحدة قدم النفس على المال، وهي قوله تعالى: { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} سورة التوبة الآية"111"، وما ذلك إلا لطلب النفس للمال، وتعلقها به، وحرصها عليه، يقول تعالى: { قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذًا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورًا} سورة الإسراء الآية"100".
*- والصوم بكل أقسامه بحاجة إلى صبر، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصوم نصف الصبر" وذلك بالنظر إلى العبادات المشروعة، إذ جميعها فعلٌ، وتركُ، والصوم يقمع الشهوة، فيسهل جانب الترك والكف، والصبر صبران: صبر عن أشياء، وصبر على أشياء، والصوم معين على أحدهما، وهو الترك والكف.
*- والحج والعمرة بحاجة إلى صبر، يقول الله تعالى: { وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالًا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق} سورة الحج الآية"27".
*- والجهاد في سبيل الله بالنفس بحاجة إلى صبر، يقول الله تعالى: { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين} سورة البقرة الآية"249"، ويقول الله تعالى: { يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفًا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون* الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين} سورة الأنفال الآيتان"65،6".
* والابتعاد عن المعاصي والشهوات، وعدم الاقتراب منها، وحمل النفس على تركها؛ كل ذلك بحاجة إلى صبر، فمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال إني أخاف الله رب العالمين.
* والمحن، والمصائب، والشدائد، والأزمات التي تحل بالإنسان، وتنزل بساحته، وتعكر له صفو حياته، وتكدر له معيشته، بحاجة إلى صبر وجلد، يقول الله تعالى: { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والنفس والثمرات وبشر الصابرين* الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} سورة البقرة الآيات"155-157". للحديث بقية.

د/ يوسف بن إبراهيم السرحني