[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
المتابع لمتغيرات المناخ السياسي والاقتصادي بالمنطقة العربية في السنوات الخمس الأخيرة، تتبين له رغم اللوثة المفاهيمية وتداخل تداعيات الأحداث بعضها البعض، وجود زحمة من المؤشرات التي تنذر بحدوث تغييرات جيوسياسية عميقة قد تشمل حتى القناعات السياسية لقطاعات عريضة من الشعوب العربية، ما سيقود في نهاية المطاف إلى إحداث حالة من التغيير في بعض المفاهيم السياسية بين الأجيال القادمة بفعل التنشئة السياسية والثقافية.
وباعتبار أن الحروب والصراعات هي التي ظلت سيدة الموقف في إحداث المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية في العالم وفي مختلف الحضارات الإنسانية، نجد أن التطورات الراهنة للصراع السوري أو الصراع حول سوريا، والاتجاه الأممي نحو تعاطي مختلف مع آليات ذلك الصراع، وفي وقت تتجدد فيه بعض نعرات استعراض القوة التي كانت سائدة إبان فترة الحرب الباردة بين الغرب بقيادة أميركا، والشرق الأوروبي بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق تعود حاليا بصياغات ومسوغات مغايرة في الحجم، ومتشابهة في الفعل ليجسدها التنافس المحموم الجديد بين روسيا، وأميركا حول من الذي سينتصر في وحول سوريا التي هي خارج حدود البلدين.
بل اتسعت تلك الدائرة لتشمل إلى جانب روسيا وأميركا وبحكم المصالح السياسية والاقتصادية والاستراتيجية أطرافا أخرى كانت مواقعها مختلفة أثناء فترة الحرب الباردة السابقة وهم كل من تركيا وإيران وغيرهما.
وفيما يشهد هذا السيناريو حول سوريا تفاعلات ملتهبة جديدة محورها الصراع بين أميركا وروسيا، تتقاذف من وقت لآخر التهديدات بين الطرفين والتي أحدثها التلويح الأميركي الذي نقلته عصفورة التويتر الزرقاء أمس الأربعاء عن الرئيس الأميركي بأن الصواريخ قادمة إلى سوريا لا محالة، وكذلك التهديد الروسي على لسان السفير الروسي لدى لبنان بأن موسكو سوف تسقط أي صواريخ أميركية على سوريا، وفي ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على مواقع سورية مختلفة من وقت لآخر بحجة محاربة إيران، فإن كل ذلك سيكون له نهاية نتمنى أن لا تصل إلى مرحلة تقسيم سوريا وتوسع إسرائيل على حساب الأرض العربية السورية في نهاية المطاف.
أما السيناريو الآخر الذي يعتبر مؤشرا له دلالاته القوية التي ستقود إلى ما هو متوقع من حدوث تحولات جيوسياسية بالمنطقة العربية، فهو ما يتوقعه المراقبون بشأن مستقبل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، الذي تنذر جميع المؤشرات بأنه ربما يتشرذم على المدى المتوسط ليتمحور حول صراع إسرائيلي ـ فلسطيني، وبالضرورة سيتغذى ذلك التحول من خواتيم الصراع السوري أو الصراع حول سوريا، والتي ربما تكون آخر معقل لجبهة الصمود والتصدي العربي بعد خروج العراق من الحسبة، وبعد ما يبدو أنه ظهور حالة من تغير المفاهيم والرؤى تجاه إسرائيل في أنحاء متفرقة من جغرافيا المنطقة العربية.
وليس هذا فحسب، بل إن كافة تلك المؤشرات نحو احتمال حدوث تغييرات جوسياسية عميقة في المنطقة العربية، تعززها مؤشرات أخرى تتعلق بما أصيبت به المنظمات الإقليمية بالمنطقة من حالة تشرذم وعجز عن التعاطي مع مشكلات دولها، والتي بينها على سبيل المثال جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي، حيث أصبحت منظمات غير قادرة على أن تحل أو تربط أو تعالج مشاكل دولها بما ينبغي أن يكون.
وعليه وبهذا الغياب للموقف الجمعي في ظل تسارع وتيرة الصراعات بالمنطقة، واتساع رقعة تغيير أو تغير القناعات السياسية القديمة تجاه الكثير من القضايا الجمعية دون تسميتها بالقومية كون المفهوم فقد معناه عمليا، يصبح التساؤل حول "هل ستشهد المنطقة تحولات جيوسياسية عميقة؟" ملحًّا وقائما ومشحونا بالتوجس والخوف من المستقبل العربي، وما سيطرأ عليه من إعادة تشكيل لخريطته الجيوسياسية على أقل تقدير، إن لم يكن مستقبل الشرق الأوسط بأكمله.