[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]
إن المال السياسي الذي يوظف في شراء أصوات الناخبين وتوظيف الإعلام لدعم مرشحين معينين يشكل بادرة خطيرة وتكريسا لهيمنة الطبقة السياسية ورموزها في المشهد السياسي، بعيدا عن الدعوات المتصاعدة لإحداث التغيير والإصلاح المطلوبين التي تتسع يوما بعد يوم، من غير أن يصغي لها القائمون على إدارة شؤون العراق، في مشهد يعيد إلى الأذهان تجارب الانتخابات السابقة التي كرست لاحتكار السلطة بيد طبقة فشلت في مهمتها..

تميّز الانتخابات العراقية المقررة في الثاني عشر من الشهر المقبل عن سابقاتها بظاهرة شراء بطاقات الناخبين، وتحديد أسعارها تزامن مع توظيف الإعلام في مشهد ينذر بإمكانية تزوير نتائجها مبكرا.
وما يقلق منظمات مراقبة مسار العملية الانتخابية شيوع هذه الظاهرة التي باتت عاملا مساعدا لأصحاب المال السياسي والنفوذ بالحصول على أكبر عدد ممكن من بطاقات الناخبين في سعيهم للوصول إلى قبة البرلمان بأي وسيلة كانت.
وعلى الرغم من تحذيرات مفوضية الانتخابات وأصوات لمرشحين من خطورة هذه الظاهرة وخروجها عن مسارها المرسوم، إلا أنها تتسع لتتحول إلى بازار انتخابي يحدد من خلاله أسعار بطاقة الناخب التي توصل المرشح إلى البرلمان.
ولم يقتصر البازار الانتخابي على شراء بطاقات الناخبين فقط، وإنما امتد إلى شراء وتوظيف وسائل الإعلام للترويج للمرشحين وتلميع صورتهم أمام الجمهور لقاء ثمن.
من هذا الإحساس بدور الإعلام وتأثيراته المفترضة بالمتلقي استشعرت الأحزاب والكيانات والائتلافات السياسية، سواء كانت في السلطة أو خارجها بأهمية توظيفه واستخدامه للترويج لبرامجها الانتخابية واستمالة الناخب لمرشحيها.
فبات لكل حزب أو تيار وسيلته الإعلامية لتسويق مرشحيه وصناعة توجهات ناخبيه، في حين عمد سياسيون ومرشّحون إلى إغراء وسائل إعلامية التي تحظى بنسبة مشاهدة عالية داخل العراق، وأخضعوها لأجنداتهم الخاصة.
ومثلما يتم شراء بطاقات الناخبين فقد تم اخترق الوسط الإعلامي عبر المال السياسي لشراء الذمم عبر توظيفه لخدمة المرشح وتحالفه السياسي من دون مراعاة القيم المهنية، ناهيك عن الدعاية الفجة والمبالغة في تقديم المرشحين.
وبعد احتلال العراق ساد نوع من الانفلات بالمؤسسات الإعلامية، وأنتج مساحة للتشهير والتسقيط السياسي وليست للتعبير وتحول الإعلام بسبب ذلك إلى إعلام أحزاب وكتل وجهات لا تمتلك المهنية في رسالتها الإعلامية.
إن أغلب المؤسسات الإعلامية العراقية خضعت لتأثيرات المال السياسي والمحاصصة والاستقطاب الطائفي، ناهيك عن التمويل الخارجي، وأدى القصور في أداء وسائل الإعلام بمهامها إلى تراجع دورها في عملية تبصير المواطن وتوعيته وتوجيهه، وبناء المجتمع وتحصينه من فيروسات الطائفية واختيار المرشح المناسب للبرلمان.
وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة اتخذت من التغيير واختيار الوجوه الجديدة غير المتورطة بالفساد شعارا للترويج لمرشحيها، وحث الناخبين للتصويت لهم، إلا أن المشهد السياسي يتشكل بعيدا عن هذا التوجه باصطفافات طائفية قد تعيد استنساخ معظم رموز الطبقة السياسية من جديد رغم بعض المتغيرات.
إن المال السياسي الذي يوظف في شراء أصوات الناخبين وتوظيف الإعلام لدعم مرشحين معينين يشكل بادرة خطيرة وتكريسا لهيمنة الطبقة السياسية ورموزها في المشهد السياسي، بعيدا عن الدعوات المتصاعدة لإحداث التغيير والإصلاح المطلوبين التي تتسع يوما بعد يوم، من غير أن يصغي لها القائمون على إدارة شؤون العراق، في مشهد يعيد إلى الأذهان تجارب الانتخابات السابقة التي كرست لاحتكار السلطة بيد طبقة فشلت في مهمتها، وأبقت العراقيين في مربع الفقر وعدم الاستقرار، ناهيك عن هدر المال العام وتكريسه لخدمة بقائهم بالسلطة دون الالتفات إلى حاجات الناخبين وتطلعاتهم المشروعة.